للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى هذا القول فيحمل قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث المتقدم: "لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي" على القيام بمعنى المواظبة كما في قوله تعالى: {إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} (١) أي: مواظبًا، على أنه قد روى الطبراني هذا الحديث بسند صحيح وزاد فيه: "وَهُوَ يُصَلِّي أوْ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ".

ومن العلماء من جمع بين الأحاديث بأنها تنتقل في ساعات الجمع بحسب الأيام كما قيل بمثله في ليلة القدر، واللَّه أعلم.

الْوَجْهُ الْخَامِسُ من الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ أُصُولِ الدِّينِ:

وأشكل ما فيها الكلام على قوله تعالى: {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} (٢) فإن من قال: فعلت كذا لأعلم كذا أوهم قوله أن العلم بذلك لم يكن حاصلًا وأنه إنما فعل ذلك الفعل ليحصل له ذلك العلم واللَّه سبحانه وتعالى منزه عن ذلك لقدم علمه وتعلقه بالأشياء كلها قبل حدوثها، ونظير هذه الآية في الإشكال قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ}. . . الآية (٣)، وقوله تعالى: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (٤)، وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ} (٥).

والكلام في كشف هذا الإشكال يستدعي الكلام في أن اللَّه تعالى عالم بالجزئيات وجميع المعلومات، وقد سلك الإِمام فخر الدين (٦) في كتابه "الأربعين" للدليل على


(١) آل عمران: الآية ٧٥.
(٢) البقرة: الآية ١٤٣.
(٣) محمد: الآية ٣١.
(٤) آل عمران: الآية ١٤٢.
(٥) سبأ: الآية ٢١.
(٦) هو العلامة الكبير ذو الفنون فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين القرشي الأصولي المفسر كبير الأذكياء والحكماء والمصنفين.
قال الذهبي: وقد اعترف في آخر عمره حيث يقول: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن أقرأ في الإثبات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، واقرأ في النفي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.
انظر "سير أعلام النبلاء" (٢١/ ٥٠٠)

<<  <   >  >>