للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك مسلكًا يحتاج إلى فصل نظر، وخلاصة ما ذكره أن اللَّه سبحانه حيٌّ والحيُّ هو الذي يصح أن يعلم كل المعلومات، والموجب لعالميته للبعض ذاته تعالى ونسبة ذاته إلى الكل سواء فلزم عالميته للكل، واعترض القاضي سراج الدين (١) على هذا الدليل بأن لقائل أن يقول: عدم أولوية البعض في نفس الأمر ممنوع وبالنسبة إليها لا يفيد، وقد ذكر الإِمام فخر الدين هذا الدليل في "المحصل" ولم يتعرض فيه لإيجاب الذات العالمية فقال: لنا أن اللَّه تعالى لكونه حيًّا يصح أن يكون عالمًا بكل المعلومات، فلو اختصت عالميته بالبعض دون البعض لافتقر إلى المخصص وهو محال.

وقال النصير الطوسي: على هذا الكلام لقائل أن يقول: بالبديهة عرفت أن المخصص هنا محال أم بالدليل؟

فإن قلت بالبديهة فقد كابرت، وإن قلت بالدليل فأين الدليل؟

غاية ما في الباب أن نقول: نحن ما نعرف جواز المخصص أو امتناعه.

وهذا الذي ذكره الإِمام فخر الدين رحمه اللَّه أولًا في "الأربعين" من كون الموجب لعالميته ذاته شعبة فلسفة دخلت عليه ولا يناسب ما قرره في قواعد الصفات من إثبات مذهب أهل السنة الذي هو الحق فيها أن اللَّه تعالى عالم بعلم؛ حتَّى عدَّ بعض من شرح كلامه هذا الدليل مدسوسًا عليه في كتابه أو مما أفسده النقلة من حذف ما يستقيم به الكلام ونحوه.

وأما الذي ذكره في "المحصل" فلم يحل فيه إيجاب العالمية على الذات، ويمكن أن يقرر على وجه يسلم مما ذكره النصير الطوسي، وهو أن يقال: قد ثبت أنه سبحانه وتعالى حيٌّ على ما تقرر ذلك في موضعه، وكل حيٍّ يصح منه أن يعلم كل واحد من المعلومات وما صح للَّه تعالى من الصفات الذاتية وجب له لأنه يستحيل أن يتصف بجائز، إذ لو اتصف بجائز لزم قيام الحوادث بذاته تعالى وذلك محال، وأيضًا لو


(١) هو محمود بن أبي بكر بن أحمد الأرموي القاضي سراج الدين أبو الثناء صاحب "التحصيل" المختصر من "المحصول في أصول الفقه".
انظر "طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (٢/ ٢٠٢).

<<  <   >  >>