للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ناسخ أبدًا، قُلْنَا: وإن كان خلاف الظاهر فتجويزه غير ممتنع وهو كاف في المنع من الاستدلال على ما ذهبوا إليه.

وقد احتج من نصر قول الشافعي المنصوص بقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (١) والنسخ رفع لا بيان، وبأنه لو نسخ السنة بالقرآن لزم من ذلك تنفير الناس عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وعن طاعته لإيهام الجاهل أن اللَّه تعالى لم يرض ما سنه رسوله.

وَأُجِيبُ عَنِ الأَوَّلِ: بأن المراد بقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ} لتبلغ، فلا يدل على امتناع كون القرآن ناسخًا للسنة، ولئن سلم أن المراد به بيان المجمل ونحوه فلا يسلم انحصار سنته في البيان خاصة بل جاز مع كونه مبينًا أن ينطق بغير البيان.

وَعَنِ الثَّانِي: أنه لو امتنع نسخ السنة بالقرآن للنفرة عن قول الرسول عليه الصلاة والسلام؟ لامتنع ذلك في نسخ القرآن بالقرآن والسنة بالسنة وهو خلاف الإجماع، بل إذا علم أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- مبلغ عن اللَّه فلا نفرة حينئذ، واللَّه أعلم.

الْوَجْهُ السَّابعُ فِيمَا يتَعلَّقُ بِهَا من عِلمِ الْفِقهِ:

لما تقرر أن الوسط: العدل كما تقدم في الحديث الصحيح، وقد علل اللَّه تعالى إكرامه هذه الأمة بالعدالة ليكونوا شهداء على الناس؛ لزم من ذلك أن الشاهد لا بد وأن يكون عدلًا لتفيد شهادته، وقد دل القرآن العظيم أَيضًا في مواضع غير هذه الآية:

فقال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (٢).

وقال: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (٣) ومن ليس بعدل فليس بمرضي.

فلتتكلم على حد العدالة وما اشترط فيها، وحاصل ما قيل فيها يرجع إلى استقامة الدين والسيرة، فلهذا كان أحسن حدودها أنها محافظة دينية تحمل على ملازمة التقوى والمروءة ليس معها بدعة حتى تحصل ثقة النفوس بقوله، ثم إن


(١) النحل: الآية ٤٤.
(٢) الطلاق: الآية ٢.
(٣) البقرة: الآية ٢٨٢.

<<  <   >  >>