للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نسخًا؛ لأنا نقول: لم يعمل بالعام في رد النساء أصلًا بل أول من هاجر منهن بعد عقد الحديبية أم كلثوم المذكورة ومنع اللَّه من ردها بالآية المذكورة.

وَاحْتَجَّ الجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ بِوُقُوعِهِ في عدَّةِ صُوَرٍ:

إِحْدَاهَا: قصة رد النساء المهاجرات وقد ذكرنا ما يتعلق بها آنفًا.

وَثَانِيهَا: أن صوم عاشوراء كان واجبًا بالسنة ثم نسخ بإيجاب صوم رمضان في القرآن، ولقائل أن يقول: ليس في إيجاب صيام رمضان ما يقتضي نسخ صيام عاشوراء؛ إذ شرط النسخ التضاد وهو منتف هنا؛ وإنما نسخ صوم عاشوراء قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لما فرض رمضان: "مَنْ شَاءَ صَامَهُ" يعني: عاشوراء "وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ" (١) فهو من نسخ السنة بالسنة.

وَثَالِثُهَا: أن تأخير الصلاة حالة القتال كان جائزًا كما فعله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم الخندق، ثم نسخ ذلك بصلاة الخوف، ولقائل أن يمنع أن ذلك كان حكمًا شرعيًا، بل الظاهر من الروايات أن تأخير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الصلاة يوم الخندق كان لشغله عنها، ويؤيد ذلك أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع وكانت في المحرم سنة خمس، ثم كانت غزوة الخندق بعد ذلك في أثناء السنة فلم تنسخ صلاة الخوف شيئًا.

وَرَابِعُهَا: أن المباشرة في ليل الصيام كان تحريمها ثابتًا بالسنة، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} (٢).

وَخَامِسُهَا: ما دلت هذه الآية من نسخ التوجه الثابت إلى بيت المقدس وكان ثابتًا بالسنة ثم نسخ بالقرآن.

قال الإِمام الشافعي -رضي اللَّه عنه-: لا توجد سنة إلا ولها في كتاب اللَّه أصل.

وتكون السنة فيه بيانًا لمجمله فإذا ورد الكتاب بنسخها كان نسخًا لما في الكتاب من أصلها فصار ذلك نسخا للكتاب بالكتاب، وأيضًا فإنه يجوز أن يحصل ذلك النسخ بالسنة ثم ينزل القرآن على وفقها، فَإِنْ قِيلَ: هذا يؤدي إلى عدم تعيين


(١) رواه البخاري (٢٠٠٢)، ومسلم (١١٢٥) من حديث أم المُؤْمنين عائشة -رضي اللَّه عنها-.
(٢) البقرة: الآية ١٨٧.

<<  <   >  >>