للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْوَجهُ السَّادِسُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالآيَةِ من أُصُولِ الْفِقهِ:

فمما يتعلق بها ما احتج به أكثر العلماء منها على وقوع نسخ السنة بالقرآن؛ فإنه ليس في القرآن وجوب التوجه إلى بيت المقدس وهذه الآية ناسخة لذلك الحكم، وقد قال بهذا جمهور الفقهاء وأهل الأصول، ومنعه الإِمام الشافعي رحمه اللَّه في كتاب "الرسالة" (١)، وخرج ابن سريج (٢) قولًا للإمام الشافعي بالجواز أخذًا من استدلاله بقوله تعالى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} (٣) مع أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان عاقد قريشًا على أن من جاءه منهم رده إليهم، فلما هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط طلب المشركون ردها إليهم؛ فأنزل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هذه الآية ونسخ بها وجوب الوفاء برد النساء المهاجرات دون الرجال (٤).

ولقائل أن يمنع صحة هذا التخريج فقد حكى الأصحاب عن الشافعي رحمه اللَّه قولين في أن شرط الرد في عقد الحديبية هل شمل النساء أم لا؟

فعلى القول بأنه لم يشمل النساء ولم يتناولهن لا يكون نسخ شيء؛ وأما على القول الآخر فإنما دخل النساء في عموم لفظ "مَنْ" فلا يكون إخراج النساء نسخًا، بل هو تخصيص لأنه لم يمنع رد الجميع وإنما منع رد النساء فقط وأبقى الرجال على حكمهم في الرد فلا يصير بهذا الاحتجاج للشافعي رحمه اللَّه قول في جواز نسخ السنة بالقرآن، ولا يقال: التخصيص إذًا ورد بعد العمل بالعام في محل التخصيص يكون


(١) "الرسالة" (١/ ١٠٦).
(٢) هو الإِمام شيخ الإِسلام فقيه العراقيين أبو العباس أحمد بن عمر ابن سريج البغدادي القاضي الشافعي صاحب المصنفات.
سمع من: الحسن بن محمد الزعفراني تلميذ الشافعي، وعلي بن إشكاب، وأحمد بن منصور الرَّماديّ. وتفقه بأبي القاسم عثمان بن بشار الأنماطي الشافعي صاحب المزني وبه انتشر مذهب الشافعي ببغداد وتخرج به الأصحاب.
انظر "سير أعلام النبلاء" (١٤/ ٢٠١).
(٣) الممتحنة: الآية ١٠.
(٤) رواه البخاري (٢٧١٣).

<<  <   >  >>