للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيهِ تَوَكَلْتُ

قوله تعالى:

{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} (١).

جميع ما تقدم من الآيات من قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ}. . (٢) إلى هنا إنما هو خطاب مع اليهود، والخطاب في هذه الآية للنصارى، هذا قول ابن عباس وجمهور المفسرين، وجوز بعض الأئمة أن يكون الخطاب فيها للفريقين جميعًا؛ لأن كلا منهما غلا في حق المسيح عليه الصلاة والسلام، فاليهود غلت في طرف الرد والإنكار حتَّى قالوا فيه ما قالوا وبهتوا أمه بما برأها اللَّه منه، والنصارى غلت في تعظيمه حتى قالوا: هو ابن اللَّه؛ فرد اللَّه تعالى عليهم جميعًا ونهاهم عن ذلك بهذه الآية، وهذا فيه نظر من جهة أن قول اليهود في عيسى عليه السلام ليس غلوًّا وإنما هو بخس لحقه.

والغلو: تجاوز الحد في جانب المدح، ولو قدر أن يكون الغلو في جانب الذم أَيضًا فقوله تعالى في هذه الآية بعد ذلك: {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ} (٣) يؤيد قول جمهور المفسرين أن الخطاب بها للنصارى.

وقوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} (٤) يعني: لا تصفوه بالحلول في بدن


(١) النساء: الآية ١٧١.
(٢) النساء: الآية ١٥٣.
(٣) النساء: الآية ١٧١.
(٤) النساء: الآية ١٧١.

<<  <   >  >>