للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الفراء: يصلح في {سُبْحَانَهُ} (١) هنا من وعن، أي: سبحانه من أن يكون له ولد وعن أن يكون له ولد فيكون أن في موضع نصب عند الجمهور، وعند الكسائي في موضع خفض بإعمال حرف الجر مع تقديره.

ثم أتبع سبحانه وتعالى تنزيهه بقوله: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (٢)، ومعنى ذلك أن من كان مالكًا لكل ما في السماوات وما في الأرض كان مالكًا لعيسى ومريم؛ لأنه إذا كان مالكًا لما هو أعظم منهما وما هو محتو عليهما كان مالكًا لهما بطريق الأولى، وإذا كانا مملوكين له فكيف يعقل كونه ولدًا أو كونها زوجة؛ لأنه لا يكون بعض ملكه جزءًا له فلهذا المعنى أتبع سبحانه وتعالى كل موضع نزه فيه نفسه عن الولد والصاحبة كونه مالكًا لما في السماوات وما في الأرض، ويفيد ذلك نفي الشريك أَيضًا؛ لأنه إذا كان كل ما في السماوات وما في الأرض ملكًا له فكيف يكون ما هو مملوك له شريكًا في ملكه، هذا مستحيل، وهذا المعنى هو الذي أشار إليه سبحانه وتعالى بقوله: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (٣).

ثم قال تعالى ختمًا للآية: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} والمعنى أن اللَّه سبحانه كاف في تدبير المخلوقات وحفظ المحدثات فلا حاجة معه إلى القول بإثبات إله آخر، وإلى هذا أشار المتكلمون بقولهم: لما كان عالمًا بجميع المعلومات قادرًا على كل المقدورات كان كافيًا في الإلهية، فلو فرضنا إلهًا آخر معه سبحانه كان معطلًا لا فائدة فيه، وذلك نقص، والناقص لا يكون إلها، وباللَّه التوفيق.

أخبرنا أبو محمد القاسم بن مظفر بن محمود الدمشقي قراءة عليه، عن أبي الوفاء محمود بن إبراهيم بن منده، أنا أبو عبد اللَّه الحسن بن العباس الرستمي، أنا أبو


(١) حاشية: أي التي في قوله جل ذكره: {سُبْحَانَهُ أَن}.
(٢) البقرة: الآية ٢٥٥.
(٣) الروم: الآية ٢٨.

<<  <   >  >>