للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن صلاة النفل داخل الكعبة أفضل منه خارجها وإن كان فعلها في البيت أفضل.

وأما احتجاجه لذلك بما ذكر من نص الشافعي -رضي اللَّه عنه- ففيه نظر؛ لأن كلام الإمام الشافعي إنما هو في الفائتة والمنذورة، ولا يلزم من أفضليتهما في الكعبة أفضلية النفل لدلالة الأحاديث الآتي ذكرها على أن فعل النافلة في البيت أفضل، وقد أشار الشافعي -رضي اللَّه عنه- إلى ذلك كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى على أن ترجيح الصلاة داخل الكعبة على خارجها نظرًا لوجود الخلاف في صحة ذلك، وليس هذا موضع بسط الكلام في ذلك.

وقال الشيخ محيي الدين أيضًا في "شرح المهذب" في باب صفة الحج: اختلف العلماء في التطوع في المسجد الحرام بالصلاة والطواف أيهما أفضل:

فقال صاحب "الحاوي": الطواف أفضل وظاهر إطلاق المصنف في قوله في باب صلاة التطوع: "أفضل عبادات البدن الصلاة" أن الصلاة أفضل.

وقال ابن عباس وعطاء وسعيد بن جبير ومجاهد: الصلاة لأهل مكة أفضل والطواف للغرباء أفضل (١).

وهذا الخلاف يقتضي أن يكون التطوع في المسجد الحرام أفضل منه في البيت؛ إذ لا يصح التفاضل بين الطواف الذي لا يصح فعله إلا في المسجد وبين الصلاة التي هي مفضولة بالنسبة إلي فعلها في البيوت واللَّه سبحانه أعلم.

فتحصل من هذا كله اضطراب النقل في النوافل هل فعلها في المساجد الثلاثة أفضل أو في البيوت؟

والذي تقتضيه الأحاديث عند المحققين أن فعلها في البيوت أفضل إلا ما شرع له الجماعة كالعيد والكسوف والاستسقاء وكذا التراويح على الأصح، وكذا ركعتي الطواف اتباعًا لفعله -صلى اللَّه عليه وسلم- لهما خلف المقام، وكذلك تحية المسجد لاختصاصها بالمسجد، وما عدا ذلك ففعله في البيت أفضل لدخوله تحت قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَفْضَلُ صَلَاةُ الْمَرءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكتُوبَةَ" (٢) وعدم ما يدل على إخراجه من هذا العموم وهذا الذي


(١) "المجموع" (٨/ ٦١).
(٢) متفق عليه من حديث زيد بن ثابت، وقد سبق تخريجه.

<<  <   >  >>