إحداها: من يصدق عليه الاستعمال العرفي قطعًا، وهؤلاء هم جمهور الصحابة من المهاجرين والأنصار الذين كانوا معه -صلى اللَّه عليه وسلم- ومن هاجر إليه من القبائل وغزا معه، ولا ريب في أمثال هؤلاء.
والثاني: من يقرب من هؤلاء كالذين هاجروا إليه وأقاموا عنده أيامًا قلائل ورجعوا إلى أماكنهم كوفد عبد القيس ووفد ثقيف وأمثالهم وكمثل وائل بن حجر ومعاوية بن الحكم السلمي وجرير بن عبد اللَّه البجلي ومن لم يصحبه إلا مدة يسيرة الأيام والليالي ولكن حفظ عنه وتعلم منه وروى عنه عدة أحاديث، فهؤلاء أيضًا وأمثالهم ينطلق عليهم اسم (الصحبة)(١) حقيقة عرفية وإن كانت مدة صحبتهم ليست طويلة لتحقق الاسم فيهم وصدق الاتصاف بالصحبة لهم.
والثالث: من لقيه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمجالسة يسيرة أو مبايعة أو مماشاة، وكان مسلمًا إما بالغًا أو مميزًا، وعقل من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا ما بأن أجلسه في حجره أو مج في وجهه ماء أو غير ذلك؛ فلا ريب في أن الإطلاق العرفي منتف عن مثل هؤلاء؛ وأما الإطلاق اللغوي فهو قريب وقد ينازع فيه لأنه يصح نفي الصحبة عن أمثال هؤلاء فيقال: ما صحبه ولكن بايعه أو كلمه يسيرًا أو جلس في حجره صغيرًا ونحو ذلك، وصحة النفي من علامات المجاز فلا يكون إطلاق اسم الصحبة عليهم بطريق الحقيقة لكن الاتفاق واقع من أئمة الحديث في كل عصر على تسمية هؤلاء من جملة الصحابة وإخراج ما حكوه من تلك الوقائع في مسانيد الصحابة والاحتجاج بما فيها من الأحكام إذا صح السند إليهم من غير توقف في ذلك، فاسم الصحبة في أمثال هؤلاء قريب من الحقيقة اللغوية قربًا قويًّا وإن كان الاستعمال العرفي معدومًا في حقهم ومن هؤلاء طارق بن عبد اللَّه المحاربي حيث أخبر أنه رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة فقال:"هل معكم من شيءٍ تبيعونه؟ "