وهو ابن سنة ونحو ذلك، فلا يطلق على أحد من هؤلاء اسم الصحبة لا بطريق الحقيقة ولا بطريق المجاز، لكن هؤلاء المعاصرون على قسمين:
أحدهما: من لم يكن بينه وبين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مكاتبة أصلًا ولا قرأ كتابه كأبي رجاء العطاردي واسمه عمران بن ملحان، وأمثاله ممن لا عداد له إلا في التابعين.
الثاني: من كتب إليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أو راسله كالنجاشي واسمه أصحمة بن بحر، أو قرأ كتاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كعبد اللَّه بن عكيم الجهني، فهؤلاء أقرب من القسم الأول بناء على أن المكاتبة أحد أنواع التحمل التي تصح بها الرواية فهم مرتفعون عن أن يعدوا في قسم التابعين، ولابد لما بينهم وبين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من الاتصال فيكون ذلك علامة مجوزة لإطلاق اسم الصحبة عليهم بطريق المجاز، وأما الحقيقة فمنتفية قطعًا.
ومقابل هذا في التوسع -أعني عد هذين القسمين من جملة الصحابة- قول من ضيق الأمر جدًّا ولم يجعل الصحابي إلا من صحب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين، وهو المحكي عن سعيد بن المسيب إن ثبت عنه.
والإجماع منعقد في كل عصر على عدم اعتبار هذا الشرط في اسم الصحاب، كيف والمسلمون في سنة تسع وما بعدها من الصحابة آلاف كثيرة، وكذلك من أسلم زمن الفتح من قريش وغيرها ولم يصحب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلا زمنًا يسيرًا، واتفق العلماء على أفهم من جملة الصحابة.
وأما اشتراط الجمع بين الصحبة والرواية فضعيف؛ لأن الرواية لم تتصل إلا عن عدد يسير من الصحابة بالنسبة لجميعهم -رضي اللَّه عنهم-.
فقد جاء عن أبي زرعة الرازي أنه سئل عن عدد من روى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: شهد مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حجة الوداع أربعون ألفًا، وشهد معه تبوك سبعون ألفًا.
وعن أبي زرعة أيضًا أنه قال: قبض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن مائة ألف وأربعة عشر ألفًا من الصحابة ممن روى عنه وسمع منه -وفي رواية: ممن رآه وسمع منه.
فقيل له: يا أبا زرعة هؤلاء أين كانوا وأين سمعوا منه؟
فقال: أهل المدينة وأهل مكة ومن بينهما من الأعراب ومن شهد معه حجة