اثنان ولم ينقل ذلك فلو لم يثبت ذلك بقوله لتعذر إثباته، بخلاف ما إذا ادعى طول الصحبة وكثرة التردد في السفر والحضر؛ فإن مثل ذلك يشاهده أقوام كثيرون فينقل ويشتهر فلا يثبت بقوله، ونظير هذا النوع: المودع والوكيل إذا ادعيا الهلاك بسبب ظاهر؛ فإنه لا يقبل قولهما إلا ببينة لإمكان ذلك بخلاف ما إذا ادعيا مطلق الهلاك أو أسنداه إلى سبب خفي؛ فإنه يقبل قولهما فيه من غير بينة.
ثم إن قول من تقدم أنه يقبل قوله:"أنا صحابي" بعد ثبوت عدالته يشمل صورتين:
إحداهما: أن يكون ثابت العدالة قبل دعواه أنه صحابي.
والثاني: أن يقول ذلك ولم يعلم حاله ثم تظهر عدالته بالاختبار بعد ذلك، وهذا ظاهر في القسمين.
ووراء هذا قسم آخر: وهو أن يذكر لقاءه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- واجتماعه به، أو يروي شيئًا يذكر أنه سمعه منه أو شاهده يفعله ولا يعرف ذلك إلا من جهته ولا يعلم حاله قبل ولا بعد، غير أنه لم يظهر فيه ما يقتضي جرحًا.
وقد ذكر الإمام أبو الحسين بن القطان في أثناء كلام له أن الناس اختلفوا في تصحيح أحاديث هذا الصنف، فقبلها قوم وردها بعض أهل الظاهر، وفي كلامه ما يقتضي ترجيح الثاني؛ لأنهم لو ادعوا لأنفسهم أنهم ثقات لم يسمع منهم فكيف يقبل منهم ادعاء مرتبة الصحبة؟!
والذي ذهب إليه أبو عمر بن عبد البر قبول قول أمثال هؤلاء وتصحيح أحاديثهم بناء على ظاهر سلامتهم عن الكذب والفسق، وهذا هو الذي يقتضيه عمل أئمة الحديث؛ فإنهم خرجوا في مسانيدهم ومعاجمهم المصنفة على أسماء الصحابة حديث جماعة كثيرين من هذا الصنف، وكذلك كل من صنف في الصحابة يذكر هؤلاء فيهم من غير توقف، ولكن يبين الطريق إلى ذلك وأنها غريبة وأنه لا يعرف صحبته إلا بها؛ لأن هذا شأن مصنفه، بخلاف أصحاب المسانيد والمعاجم فإنهم يخرجون أحاديثهم ويسكتون عنها غالبًا، والاحتمال في هذه الصورة أقوى منه فيما تقدم إذا كانت عدالة المخبر بذلك معلومة، وهذا كله فيمن لم تتضمنه كتب التواريخ والسير بأنه صحابي، فأما إذا شهد له بالصحبة مثل البخاري أو مسلم أو