ابن أبي حاتم أو ابن أبي خيثمة في كتبهم المصنفة وأمثالهم فإن صحبته تثبت بذلك وإن كان سند حديثه غريبًا أو فردًا ولا يعرف بغيره، كما أن من لم يرو عنه إلا راو واحد فهو محكوم عليه بالجهالة إلا أن يكون بعض أئمة الحديث قد وثقه فإنه لا تلازم بين الجهالة وبين انفراد الراوي عن الشيخ، فقد يكون معروفًا بالثقة والأمانة ولم يتفق أن يروي عنه إلا واحد، كذلك هذا يكون معروف اللقاء والصحبة اليسيرة بين أهل المغازي والسير وإن لم يرو ذلك إلا من جهة واحدة بإخباره عن نفسه، فأما إذا أخبر التابعي أنه صحابي حالة الرواية فهذا على أضرب:
أحدها: أن يقول أخبرني فلان أنه سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول كذا مقتصرًا على مثل ذلك، فهذا حكمه ما تقدم في مدعي الصحبة.
وثانيهما: أن شبت صحبته حال الرواية عنه ويسميه باسمه، فإن كان مذكورًا بذلك في كتب المغازي والسير فحكمه ما تقدم، وأما إذا لم يكن معروفًا بالصحبة إلا من هذه الطريق؛ فالظاهر الاعتماد على قول التابعي إذا كان ممن يعتمد قوله في مثل ذلك، على أنه يجوز أن يكون التابعي بنى ذلك على تصديقه في دعواه الصحبة وأن المسلمين محمولون على العدالة إلا في من ظهر منه ما يوجب الفسق فاكتفي فيه بذلك ولكنه احتمال بعيد، والأول أظهر منه؛ لأن مثل هذه الرتبة لا يثبتها التابعي العارف المعتمد إلا بعد تثبت وغلبة الظن بأن هذا صحابي.
ثالثها: أن لا يسميه، بل يقول: أخبرني رجل أنه سمع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول كذا، أو رآه يفعل كذا، ونحو ذلك، ولا يزيد عليه، فهذا يقرب من الضرب الأول، فلو قال: أخبرني عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بكذا ولم يصرح بلقائه وقلنا بالراجح أن "عن" تقتضي الاتصال إلا من المدلس فلا ريب في أن هذه الصورة يترجح فيها احتمال الوقف إلا أن تثبت صحبة ذلك الرجل بأحد الطرق المتقدمة؛ لأن التدليس وإن كان لم يثبت في حق هذا الرجل الذي قال: عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فالإرسال غير منتف عنه، وكم من تابعي يرسل حديثًا بهذا اللفظ عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ونحن إنما نثبت الاتصال بلفظ "عنه" إذا ثبت لقاء المعنعن عنه على الراجح أو يكتفى بمجرد إمكان اللقاء على قول مسلم، وليس في قول التابعي: أخبرني رجل عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما يقتضي ثبوت لقائه إياه ولا إمكان ذلك، نعم قد يفرق في مثل هذا بين التابعي الكبير المتقدم وبين من