بعده؛ إذ الغالب على الظن أن التابعي الكبير إنما يروي عن الصحابة دون التابعي الصغير فيقوى الحكم بكون ذلك الرجل صحابيًّا.
وقد وقع للقاضي أبي بكر بن العربي في أثناء كلامه في كتابه "القبس في شرح الموطأ" أنه قال: اتفقت الأمة على أن مجهول العين تجوز الرواية عنه إذا قال -يعني الراوي عنه من التابعين-: حدثنا رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لوجوب العدالة لهم، ولا يجوز ذلك في غيرهم لعدم العدالة فيهم.
وفي هذا النقل من الإجماع نظر ظاهر يعرف مما تقدم.
وقد حكى ابن القطان الخلاف في ذلك مع تسمية المذكور بأنه صحابي فهو جار في قوله: رجل، بطريق الأولى.
وقد حكى بعض الفضلاء عن ابن حزم أنه قال في كتابه "النبذ الكافية" له: كل من روى عن صاحب لم يسمه فإن كان ذلك الراوي ممن لا يجهل صحة قول من يدعي الصحبة من بطلانه فهو خبر مسند تقوم به الحجة؛ لأن جميع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- عدول.
قال: وإن كان الراوي ممن يمكن أن يجهل صحة قول مدعي الصحبة فهو حديث مرسل لا تقوم به الحجة؛ إذ لا يؤمن من فاسق من الناس أن يدعي الصحبة عند من لا يعرف كذبه من صدقه.
وأما إذا روى الراوي الثقة عن بعض أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خبرًا ولم يسمها فهو حجة قاطعة؛ لأنه لا يمكن أن تخفى أمهات المؤمنين على أحد من أهل التمييز في ذلك الوقت (١).
هذا ما نقله عن ابن حزم وهو تفصيل حسن بالغ، ومقتضاه أن ما قال فيه أحد علماء التابعين وأهل الخبرة منهم: حدثني رجل من الصحابة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بكذا؛ أنه يكون مقبولًا؛ لأن الظاهر أنه لا يطلق ذلك إلا بعد ثبوت صحبته عنده، وحينئذ لا تضر الجهالة باسمه لما سنقرره إن شاء اللَّه تعالى من عدالة جميعهم.