وأما إذا لم يكن من علماء التابعين ففيه الاحتمال الذي قاله ابن حزم، والتوقف فيه قوي. هذا إذا وصفه التابعي بأنه صحابي، فأما إذا قال: حدثني رجل عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يكن فيه ما يقتضي اللقاء فقد تقدم الكلام فيه وأن الأقوى التفرقة بين كبار التابعين وصغارهم.
ويلتحق بما ذكره ابن حزم من الرواية عن بعض أزواج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مبهمة: ما إذا قال التابعي الثقة: حدثني رجل من أهل بدر أو من أهل بيعة الرضوان ونحو ذلك مما لا يخفى بطلان دعوى من يدعي ذلك لنفسه إذا كان كاذبًا على أهل ذلك الزمن؛ لأن المتصفين بمثل هذه الصفات كانوا حينئذ مشهورين مميزين عند كل أحد بخلاف دعوى مطلق الصحبة فإن فيهم الأعراب ونزاع القبائل ممن لا يعرف حاله أصلًا؛ ولهذا نجد كثيرًا منهم اختلف أئمة الحديث في إثبات الصحبة له، فأثبتها بعضهم ونفاها آخرون، ولم يختلفوا فيمن شهد بدرًا والحديبية إلا في النادر منهم.
وقد تحصل من مجموع ما تقدم أن ما ثبت به الصفة المقتضية للصحبة على مراتب:
أولها وهو أعلاها: التواتر المفيد للعلم القطعي بصحبته، وهذا لا يختص بالعشرة المشهود لهم بالجنة وأمثالهم، بل يدخل فيه أيضًا كل من تواترت الرواية عنه من الصحابة المكثرين الذين بلغ الرواة عنهم العدد المفيد للتواتر كأبي سعيد الخدري وجابر وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص وأمثالهم، وكذلك من اتفقت الأمة على صحة حديثه وتلقته بالقبول وإن لم تكثر الرواية عنه كأبي قتادة وأبي مسعود البدري ونحوهما فإن من لوازم ذلك اتفاقهم على كونه صحابيًّا، ويندرج في هذا عدد كثير من الصحابة المتفق على صحة أحاديثهم.
وثانيها: أن تكون صحبته ثابتة بالاشتهار القاصر عن رتبة التواتر وهو يفيد العلم النظري عند كثير من العلماء، ويلتحق بهذه الرتبة من اتفقت كتب السير والمغازي والتواريخ على ذكره في الصحابة وتسميته في عدد من الغزوات ولم يوجد أحد خالف في ذلك ولا أهمل ذكره في ذلك، ويندرج في هذا النوع خلق كثير من الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، وإن كان فيهم من ليس له إلا الحديث الواحد أو الاثنان.
وثالثها: من لم يشتهر من جهة الرواية عنه، ولكنه تضمنه كثير من كتب السير