للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}. . . (١) الآية، وثبت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "الوسط العدل" (٢)، وبقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}. . . (٣) الآية.

واعترض بعضهم على ذلك بأن المراد بالآيتين جميع الأمة إلى قيام الساعة فلا يتخصص بها بعضهم؛ لما يلزم في ذلك من استعمال اللفظ في معنيين مختلفين وهو المجموع من حيث هو مجموع الأمة وعصر الصحابة دون غيرهم.

ويمكن الجواب عنه بوجهين:

أحدهما: التزام جواز استعمال اللفظ في المعنيين بناءً على جواز التمسك به في الحقيقة والمجاز جميعًا وهو مذهب الشافعي كما في حمل اللفظ المشترك على كلا المعنيين.

وثانيهما: أن دلالة الآيتين وإن كان شاملا لجميع الأمة فهي متضمنة الثناء عليهم بأنهم خير أمة، ووصفهم بالعدالة في الآية الأولى وقد خرج من هذا الوصف من بعد الصحابة بالإجماع على أنه لابد من معرفة ذلك فيهم بالبحث عن أحوالهم فبقي في الصحابة على مقتفى الآية، وإذا كانت الآية الأخرى متضمنة وصف الأمة كلهم بأنهم خير أمة أخرجت للناس فلا ريب في أن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أولى الناس بالاتصاف بذلك وأعلاهم رتبة فيه فلا أعدل ممن ارتضاه اللَّه سبحانه لصحبة نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- ونصرته والسبق إليه ولا تزكية أفضل من ذلك ولا تعديل أكمل منه.

الوَجْهُ الثانِي مِنَ الأَدِلَّةِ

ثناء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عليهم وإخباره بما منحهم اللَّه تعالى من كونهم خير القرون من أمته وأفضلها وأن أحدًا ممن يأتي بعدهم لا يبلغ أدنى جزء من شأنهم ولو أنفق ملء الأرض ذهبًا في سبيل اللَّه.

ففي "الصحيحين" من طريق عبيدة السلماني عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال:


(١) البقرة: الآية ١٤٢.
(٢) رواه البخاري (٣٣٣٩) من حديث أبي سعيد الخدري.
(٣) آل عمران: الآية ١١٠.

<<  <   >  >>