للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك لكونهم نقلة الشريعة (١).

فهذا الوجه وحده كاف في رد قول المخالفين، واللَّه أعلم.

الْوَجْهُ الرَّابِع:

إنما يكتفى في التعديل بإخبار الواحد منا وتزكيته مع أنه لا يعلم إلا بعض الظواهر ومع عدم عصمته عن الكذب فكيف لا يكتفى بتزكية علام الغيوب الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وقد أحاط علمه بما سيقع منهم من الفتن والحروب وأنزل مدحهم والثناء عليهم قرآنًا يتلى مستمرًا ما بقيت الدنيا وذلك يقتضي أن الثناء عليهم ومدحهم وتعديلهم مستمرًّا لا يتغير، وكذلك أطلع نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- على ما يقع بينهم وأخبر بذلك:

إما على وجه الأجماك كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ بَيْنَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ" (٢) ونحو ذلك.

أو تفصيلًا في بعض القضايا كمن أسر إليه ذلك كحذيفة -رضي اللَّه عنه-، ولم يكن ذلك مانعًا له -صلى اللَّه عليه وسلم- من الثناء على جميع الصحابة ووصفهم بأنهم خير القرون ونحو ذلك مما تقدم، هذا مع عصمته -صلى اللَّه عليه وسلم- عن وقوع الكذب في إخباره وبراءته عن المداهنة لأحد منهم، فكل هذا يقتضي أن ما وقع بينهم بعده -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يحط من رتبتهم شيئًا البتة.

فأما قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث الحوض: "لَيُخْتَلَجُنَّ رِجَالٌ مِنْ دُونِي أَعْرِفْهُمْ فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ: أَصْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فأَقُولُ سُحقًا"، وفي رواية: "فأقول كما قال العبد الصالح {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} [المائدة: ١١٧] الآية (٣)؛ فإنه محمول على من ارتد بعده -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم مات على ذلك بدليل قوله: "فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ"وكذلك في الرواية الأخرى: "إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذْ فَارَقْتَهُمْ" الحديث وإلا فالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد شهد للعشرة


(١) "مقدمة ابن الصلاح" (ص ١٧١).
(٢) رواه البخاري (١٨٧٨)، ومسلم (٢٨٨٥) من حديث أسامة.
(٣) رواه البخاري (٤٦٢٥)، ومسلم (٢٨٦٠) من حديث ابن عباس.

<<  <   >  >>