أنس هذا، وهو شاذ أو منكر لتفرد حماد بن يحيي به دون أصحاب ثاتب البناني ولا يحتمل منه مثل هذا التفرد.
ثم على تقدير صحته فهو مأول على أن المؤمنين في آخر الزمان إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على طاعة ربهم في حين ظهور الشر والفتن والهرج وكثرة المعاصي؛ كانوا في ذلك غرباء فزكت أعمالهم في ذاك الزمان كما زكت أعمال أوائل الصحابة عند كثرة المشركين وصبرهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم، أو يكون ذلك إشارة إلى أيام نزول عيسى ابن مريم عليه السلام ومقامه بالأرض حيث تظهر البركات وينتشر العدل ويذهب الفساد في تلك الأيام وهي من أواخر أزمان هذه الأمة فلا يكون في ذلك تفضيل أهل ذلك العصر على الصدر الأول ولا مساواتهم بالنسبة إلى ما ذكرناه كيف والأحاديث الثابتة في تفضيل الصحابة على من بعدهم صريحة لا تحتمل التأويل وهي أصح وأكثر من هذه الأحاديث المحتملة، فلا تكون معارضة لها وباللَّه التوفيق.
الْوَجْهُ الثَّالِث: الإجماع على ذلك ممن يعتدُّ به على أحد وجهين:
إما على أنه لا اعتداد بأهل البدع في الإجماع والخلاف؛ فإنه لم يخالف في عدالة الصحابة -رضي اللَّه عنهم- حيث الجملة أحد من أهل السنة؛ وإنما الخلاف عن المعتزلة والخوارج وأمثالهم.
وإما على أن ندرة المخالف مع كثرة المجمعين لا يمنع انعقاد الإجماع إن ثبت أن أحدًا من (غير)(١) أهل البدع خالف في ذلك والطريق الأولى أقوى ولا فرق بين من لابس الفتن من الصحابة ومن لم يلابسها.
قال ابن الصلاح: أجمع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع على عدالتهم أيضًا إحسانًا للظن بهم ونظرًا إلى ما تمهد لهم من المآثر وكأن اللَّه تعالى أتاح الإجماع على