وإحسان الظن بهم وانسداد ذلك في حق الجميع، وحينئذ يؤدي إلى أحد أمرين لابد منهما:
إما التأويل وإحسان الظن في حق الجميع وهو المطلوب.
وإما إسقاط عدالة الجميع وذلك أمر عظيم خارق للإجماع القطعي؛ فإن الأمة كلها ممن يعتبر بأقوالهم أجمعوا على أنه لا يصح إسقاط عدالة جميع الصحابة كيف وإن ذلك يؤدي إلى هدم الدين وإزالة ما بأيدينا من أمور الشريعة معاذ اللَّه من ذلك.
وأما من تقدمت الحكاية عنه بأن كل من لابس الفتن فهو ساقط العدالة فهو قول باطل ممن لا يعتد به ونظيره إكفار الخوارج كل الفئتين فلا يرجع هذا القول إلا على قائله ونسأل اللَّه السلامة من الأهواء المضلة.
فإن قيل: وإن أنتم تأولتم فإن تأويلكم لا يزيح الشك في أفعالهم، والشك في أفعالهم يلزم منه الشك في عدالتهم.
قلنا: الإجماع الذي حكيناه من إمتناع إسقاط عدالة جميع الصحابة حجة قاطعة في أن هذا الشك غير مؤثر، فإذا انضم ذلك إلى ما تقدم من الأدلة الدالة على عدالتهم واستصحبنا ذلك في كل فرد منهم كان هذا الشك مندفعًا كيف ونحن إنما نتأول تأويلًا في كل قصة هو الظاهر المستفاد ظهوره منها كما سيأتي بيان بعضه إن شاء اللَّه تعالى قريبًا وهذا أمر معمول به أعني استصحاب العدالة وأنها لا ترتفع بالشك في حق من تثبت عدالته بشاهدين وشهادتهما لم تفد إلا الظن المجرد بجريان ذلك في حق من هو مقطوع بعدالته بتعديل اللَّه تعالى ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- بطريق الأولى وبهذا يتبين أنه ليس المعني بعدالة كل واحد من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أن العصمة له ثابتة والمعصية عليه مستحيلة ولكن المعني بهذا أن روايته مقبولة وقوله مصدق ولا يحتاج إلى تزكية كما يحتاج غيره إليها لأن استصحاب الحال لا يفيد إلا ذلك.
هذا ما يتعلق بالطريق الإجمالي.
وأما التفصيلي فلأئمتنا المتقدمين فيه مصنفات مستقلة ويطول الكلام به هنا إن تعرضنا للجميع ولكن نشير إلى فصل موجز يتعلق بوقعة الجمل لندفع به الطعن عن مثل طلحة والزبير وعائشة -رضي اللَّه عنهم- ويكون ذلك مثالًا لغيره:
وهو أن المصيبة بعثمان -رضي اللَّه عنه- كانت عظيمة ولم يكن خطر ببال علي ولا غيره من