أحدهما: إن ذلك كان من كل منهم بناء على الاجتهاد منه ني ذلك والتأويل المسوغ له للإقدام عليه ومع هذا فلا يكون شيء من ذلك قادحًا في عدالتهم؛ لأن جميع تلك الوقائع إن كانت مما يسوغ فيه الاجتهاد فظاهر لأنه حينئذ إن قلنا: إن كل مجتهد مصيب؛ فلا يتوجه تخطيئه إلى أحد من الفريقين، وإن قلنا: المصيب واحد والثاني مخطئ فالمخطئ في اجتهاده معذور غير آثم؛ فلا يخرجه خطؤه عن العدالة، وإن لم يكن ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد فالمخطئ كان متأولًا فيما فعله وإن كان تأوله خطأ فلا يخرج بذلك عن العدالة كيف وإن عدالته ثابتة بما تقدم من الأدلة القطعية فيستصحب ولا يزال بالشك والوهم لاسيما مع ما تقدم من ثناء اللَّه تعالى عليهم ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- مع العلم بما يصدر منهم.
ومما يؤيد أن ذلك من المجتهد فيه: قعود جماعة من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- عن الكون مع أحد الفريقين كسعد بن أبي وقاص وعبد اللَّه بن عمر ومحمد بن مسلمة وغيرهم؛ لأنه خفي عليهم الأمر، وروي أن عليًا -رضي اللَّه عنه- دعا سعد بن أبي وقاص إلى أن يكون معه فقال له: أعطني سيفًا يعرف الحق من الباطل أو قال: المحق من المبطل.
وكان علي -رضي اللَّه عنه- مع أن الحق معه يغبط سعدًا -رضي اللَّه عنه- بذلك فكان يقول: للَّه در منزل نزله سعد بن مالك إن كان ذنبًا فذنب صغير وإن كان أجرًا فأجر عظيم.
وقال علي -رضي اللَّه عنه- أيضًا غير ما مرة: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير يوم القيامة ممن قال اللَّه تعالى فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}(١).
والآثار في ذلك كثيرة معروفة في كتب أهل التاريخ.
الوجه الثاني: إن كل ما قدح به المبتدعة في الصحابة الذين أسقطوا عدالتهم يتصور عليهم مثله في الصحابة الذين لم يقدحوا في عدالتهم؛ فإن تأولوا أفعال من وافقوا على عدالته وحسنوا لهم المخارج في أمورهم كانوا مقابلين بمثله فيمن خالفونا في عدالته ولا يجدون فارقًا قاطعًا بين الطائفتين بالنسبة إلى انقداح التأويل