حتى خرج أنه لا يجوز الاحتجاج به كعمرو بن شمر وجابر الجعفي ويزيد الرقاشي ونحوهم، فأما من وثقه قوم وضعفه آخرون لسوء حفظه أو لشيء قريب وقد احتج به في الصحيح لا يقال فيه ضعيف جدًّا.
والثاني: أن قوله: "تركه مالك وأنكر عليه هذا الحديث" من أين له هذا ومن نقله غيره، فمالك رحمه اللَّه في "الموطأ" لم ينكر إلا العلم بالحديث ولم يتعرض إلى الحديث ولا إلى رواته، وهذا أبو عمر بن عبد البر رحمه اللَّه تعالى وهو أحد الأئمة المتميزين في هذا الشأن من أصحاب مالك لم ينقله، بل قال في الحديث: يحتمل أنه لم يبلغ مالكًا على ما سيأتي ذكره وكذلك القاضي عياض والقرطبي في شرحهما "صحيح مسلم" ولم يذكر أحد منهم عن مالك قدحًا في الحديث أو في روايته كما سيأتي ذكره إن شاء اللَّه تعالى.
وكون مالك رحمه اللَّه لم يرو عن سعد بن سعيد وروى عنه أخويه لا يدل على ضعفه ولا تركه بالاتفاق إذا لم يصرح بذلك؛ لأنه يحتمل أنه لم يتفق له لقاؤه أو غير ذلك من الاحتمالات، على أن مالكًا لم يستوعب الأخذ عن جميع شيوخ المدينة، هذا سعد بن إبراهيم الزهري أحد الكبار من شيوخ المدينة والثقات الإثبات روى عن أنس بن مالك وطائفة من التابعين وكان قاضي المدينة مدة طويلة، ولم يكتب عنه مالك، ولا خلاف في أنه ثقة متفق عليه، وقد مات في سنة سبع وعشرين ومائة، وكان عُمْر مالك إذ ذاك فوق الثلاثين سنة، أفيكون سعد بن إبراهيم ضعيفًا لأن مالكًا لم يثبت عنه فقط!! وكذلك غيره من شيوخ المدينة.
قال إسماعيل بن أبي أويس: سمعت خالي مالكًا يقول: لقد أدركت في هذا المسجد سبعين وأشار إلى مسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فمن يقول قال فلان قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وإن أحدهم لو اؤتمن على بيت مال لكان أمينًا فما أخذت منهم شيئًا لأنهم لم يكونوا من أهل الشأن، ويقدم علينا ابن شهاب الزهري وهو شاب فيزدحم على بابه (١).