للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قال اللَّه تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (١).

قال الراغب: الأمة كل جماعة يجمعهم أمر ما إما دين واحد أو زمان واحد أو مكان واحد، سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيرًا أو اختيارًا (٢).

ثم قال بعد ذلك (٣): وقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} أي: قائمًا مقام جماعة في عبادة اللَّه نحو قولهم: فلان في نفسه قبيلة، وكما روي أنه يحشر زيد بن عمرو أمة وحده (٤).

وذكر صاحب "الكشاف" (٥) في معنى قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} وجهين:

أَحَدُهُمَا: نحو الذي أشار إليه الراغب، أي: كان وحده أمة من الأمم لكماله في جميع صفات الخير كقول بعضهم:

وليس على اللَّه بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد

قال مجاهد: كان مؤمنًا وحده والناس كلهم كفار.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أن يكون أمة بمعنى مأموم، أي: يؤمه الناس ليأخذوا منه الخير، أو بمعنى مؤتم به كالراحلة وما أشبهها مما جاء من فعلة بمعنى مفعول، فيكون مثل


(١) النحل: الآية ١٢٠ - ١٢٣.
(٢) "مفردات القرآن" (١/ ٥٥).
(٣) "مفردات القرآن" (١/ ٥٥).
(٤) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (٨١٨٧، ٨١٨٨) من حديث أسماء وزيد بن حارثة، والحاكم (٣/ ٢٣٨) من حديث زيد بن حارثة، وصححه.
(٥) "الكشاف" (١/ ٦٧١).

<<  <   >  >>