للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلفل، يذكر عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قال رجل لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يا خير البرية، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذَاكَ إِبرَاهِيمُ -عليه السلام-".

أخرجه مسلم (١) والترمذي (٢) أيضًا من هذا الوجه وزاد "ذَاكَ إِبرْاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ".

وثبت عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْر" (٣)، وطريق الجمع بينه وبين هذا الحديث من وجهين:

أَحَدُهُمَا: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال ذلك قبل أن يعلمه اللَّه بأنه أفضل من سائر الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم لما أعلمه اللَّه بذلك بينه للناس.

وَالثَّانِي وهو الأقوى: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال ذلك على وجه التواضع والاحترام لإبراهيم -صلى اللَّه عليه وسلم- لخلته وأبوته، ولبيان ما يجب له من التوقير والاحترام، ولذلك لما قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنَّا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ" أتبعه بقوله: "وَلَا فَخْر" ليبين -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه لم يقل ذلك على وجه الافتخار والتطاول على من تقدمه بل قاله بيانًا لما أمر ببيانه، واللَّه سبحانه أعلم.

وقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}. . الآية، ثم في هذه الآية إعلام بتعظيم منزلة نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- وإجلال محله، والإيذان بأن من أشرف ما أوتي خليل اللَّه إبراهيم عليه الصلاة والسلام اتباع نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- إياه واقتداؤه به، فهذا وجه تعلق المعطوف بالمعطوف عليه، وذكر بعض المفسرين أن أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذه الآية باتباع إبراهيم -عليه السلام- أريد به اتباعه إياه في مواقف الحج، وذكر في ذلك حديثًا في إسناده ضعف عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "جاء جبريل -عليه السلام- إلى إبراهيم -صلى اللَّه عليه وسلم- فراح به إلى منى فذكر كيفية مناسك الحج. . . " وقال في آخره: "فأوحى اللَّه إلى محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا".

وهذا الحديث غير ثابت لما بينا من ضعف إسناده (٤).


(١) "صحيح مسلم" (٢٣٦٩).
(٢) "جامع الترمذي" (٣٣٥٢).
(٣) رواه مسلم (٢٢٧٨) من حديث أبي هريرة.
(٤) رواه ابن أبي شيبة (٣/ ٣٣٢).

<<  <   >  >>