قُلْتُ: لا شَكَّ أنَّ هَذَا القَوْلَ لا يَصْدُرُ إلاَّ ممَّنْ لا يَعْرِفُ حَقِيْقَةَ الشِّعْرِ العَرَبيِّ الفَصِيْحِ، وبَيْنَ الشِّعْرِ «النَّبَطِيِّ» الرَّكِيْكِ، فَمَنْ نَظَرَ إلَيْهِما عَلِمَ يَقِينًا أنَّهُما يَخْتَلِفَانِ اخْتِلافًا كَبِيْرًا في قَضِيَّتَيْنِ مُهِمَّتَيْنِ، كَمَا يَلي:
القَضِيَّةُ الأوْلى: طَرِيقَةُ النَّظْمِ والإنْشَادِ.
القَضِيَّةُ الثَّانِيَةُ: اللُّغَةُ.
فأمَّا القَضِيَّةُ الأوْلى: فَلا شَكَّ أنَّ طَرِيقَةَ النَّظْمِ والإنْشَادِ بَيْنَهُما مُخْتَلِفَةٌ جِدًّا، فَلِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الفَنَّيْنِ أُصُولٌ ونَظْمٌ مُخْتَلِفٌ، بَلِ الاخْتِلافُ بَيْنَهُما ظَاهِرٌ في كُلٍّ: مِنَ البِنَاءِ والوَزْنِ، والبَحْرِ، والمُفْرَدَاتِ، والقَافيةِ، وطَرِيقَةِ الإنْشَادِ مُخْتَلِفَةً ... على الرُّغْمِ مِنْ أنْ لِلشِّعْرِ «النَّبَطِيِّ» وزْنًا وقَافيةً، ولِلشِّعْرِ العَرَبِيِّ الفَصِيحِ وزْنًا وقَافيةً; لَكِنَّ التِزَامَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِوزْنٍ وقَافيةٍ لا يُحَقِّقُ الشَّبَهَ بَيْنَهُمَا.
يُوضِّحُهُ أنَّ الشِّعْرَ الفَارِسِيَّ، والشِّعْرَ التُّرْكِيَّ يُنْظَمَانِ على أوْزَانِ الشِّعْرِ العَرَبِيِّ الفَصِيحِ إلى يَوْمِنَا هَذَا، ويُصَاغَانِ في قَالَبِ الشِّعْرِ العَرَبِيِّ بِاللُّغَةِ الفَارِسِيَّةِ واللُّغَةِ التُّرْكِيَّةِ، ولَمْ يَزْعُمْ أحَدٌ أنَّ هَذَيْنِ الشِّعْرَيْنِ في لُغَتَيْهِ ـ الفَارِسِيَّةِ والتُّرْكِيَّةِ ـ فَرْعٌ مِنَ الأدَبِ العَرَبِيِّ أوْ سَلِيلَيْنِ لَهُ، على الرُّغْمِ مِنْ أنَّهُمَا يُنْظَمَانِ على قَوالِبِهِ وأشْكَالِهِ!
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute