للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طلع النرجس في أكفانه ... قائلا للورد: قد برحت بي

لم تزل تورث جسمي سقما ... مبكيا عيني بدمع الحبب

كيف خلطت وغلبت على ... سيد الأنوار يا للعجب

إنما اسمي تحت شكواي فلا ... توقعوني تحت ريب الريب

أنا لولا طمعي أن نلتقي ... ما أقلتني حينا قضبي

فضله فضل ابن عباد أبي ال ... قاسم القاضي قريع العرب

ملك لو لم يمجد بالثنا ... قال للعالم حسبي حسبي

قوله: "وإنما اسمي تحت شكواي" يعني برحت بي لأن برحت بي تصحيف نرجس. وله أيضا في تصفيحه مفضلا للورد بيتان استولى فيهما على غاية الإحسان وهما: [المجتث]

الورد أحسن ورد ... يروى به لحظ عين

ونرجس الروض مهما ... صحفته برح بين

هذا ما انتهى إليه ذكري في التفاضل بين البهار والورد. وكتب الوزير الكاتب أبو مروان عبد الملك بن إدريس الجزيري إلى المنصور بن أبي عامر_رحمه الله_عن بنفسج العامرية يوم الأضحى سنة ثلاث وثمانين وثلاث مئة، رسالة موصولة بشعر، جمالها باهر، وكمالها ظاهر، احتج له فيهما احتجاجا طريفا، عضده به عضدا ظريفا، وآثره على النرجس والبهار بإشارات جليلة المقدار.

[والرسالة]

"منح الله مولاي صدق النظر، وعرفه جلية الخبر، وأطال مدته، ووصل سلامته وعزته، إذا تدافعت الخصوم_أيد الله المنصور مولاي_في مذاهبها، وتنافرت في مفاخرها، فإليك مفزعها وأنت المقنع في فصل القضية بينها لاستيلائك على المفاخر بأسرها، وعلمك بسرها وجهرها، وقد ذهب البهار والنرجس في وصف محاسنهما، والفخر بمشابههما كل مذهب. وما منهما إلا ذو فضيلة، غير أن فضلي عليهما أوضح من الشمس التي تعلونا، وأعرف من الغمام الذي يسقينا، فإن كانا قد تشبها في شعريهما المرتفعين إلى مولاي_أبقاه الله وأيده_بعض ما في الأرض من جواهر الأرض، ومصابيح السماء وهي من الموات الصامت، فإني أتشبه بأحسن ما زين الله به الإنسان، وهو الحيوان الناطق من أدوات خلقه، وأنفس ما ركب فيه من مواد حياته، مع إني أعطر منهما عطرا، وأحمد خبرا، وأكرم إمتاعا شاهدا وغائبا، ويانعا وذابلا، وكلاهما لا يمتعك إلا ريثما يبدو للعيون، ويسلم من الذبول، ثم تستكره الأنوف شمه، وتستدفع الأكف ضمه، فأين هذه الحال من الاستمتاع [بي] رطبا، وادخاري في خزائن الملوك جافا، وتفضيلي على ألسنة الحكماء، وتصريفي في منافع الأعضاء، وإن فخرا باستقلالها على ساق هي أقوى من ساقي فلا غرو أن الوشي ضعيف، والهوى لطيف، والمسك خفيف: [الوافر]

وليس المجد يدرك بالصراع

كما قال حكيم الشعراء، وقد أودعت_أيد الله المنصور_قوافي الشعر من وصف مشابهي ما أودعاه من وصف مشابههما وحضرت بنفسي لئلا أغيب من حضرتهما. فقديما فضلوا الحاضر وإن كان مفضولا ولهذا قالوا: "ألذ الطعام ما حضر لوقته" و "أشعر الناس من أنت في شعره". ولمولاي_أيد الله_أن يعدل باختيار الصحيح، ويفصل بحكمه العدل إن شاء الله". والشعر: [الكامل]

شهدت لنوار البنفسج ألسن ... من لونه الأحوى ومن إيناعه

بمشابه الشعر الأثيث أعاره ... قمر الجبين الصلت نور شعاعه

ولربما جمد النجيع من الطلى ... بصوارم المنصور يوم قراعه

فحكاه غير مخالف في لونه ... لا في روائحه وطيب طباعه

ملك جهلنا قبله سبل العلا ... حتى وضحن بنهجه وشراعه

أما نداه فهو صنو للحيا ... في صوبه لم أعن في إقلاعه

في سيفه قصر لطول نجاده ... وكمال ساعده وفسحة باعه

قال أبو الوليد: ووقع بين الوزير أبي الأصبغ بن عبد العزيز وصاحب الشرطة أبي بكر بن القويطة قطعتان؛ يفضل أبو الأصبغ الخيري، وأبو بكر البنفسج، وقطعة أبي الأصبغ موصولة بمدح ذي الوزارتين القاضي_حرس الله حوباءه، وأطال بقاءه_ وهي: [الكامل]

ما للبنفسج يدعي التفضيلا ... متحاملا ويعد ذاك جميلا

هيهات قد برح الخفاء فعد إلى ... حكم التناصف واترك التخييلا

الفضل للخيري إلا أنهم ... جهلوا ولما يحسنوا التأويلا

قهر البنفسج منظرا ويفوقه ... في الشم بالمسك الذكي دليلا

ورأى التستر بالنسيم لصبحه ... ظرفا فعطل صبحه تعطيلا

وإذا أتى الليل البهيم بنشره ... أبدى به للزائرين قبولا

<<  <   >  >>