وما ذهب إليه من أن أرى الحلمية تتعدى إلى ثلاثة سماعًا مستدلًا بقوله {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا} ليس بجيد؛ لأنا قد نازعناه في ثبوت أن رأى الحلمية تتعدى إلى اثنين كلعمت, وبينا أن استدلاله على ذلك بقوله {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} , وبقول الشاعر:
أراهم رفقتي , البيت.
لا حجة فيه, ولئن سلمنا أن رأى الحلمية تتعدى إلى اثنين فلا يلزم من ذلك أن تعدى بالهمزة إلى ثلاثة؛ ألا ترى أن ظن وزعم وحسب ووجد تتعدى إلى اثنين, ولا يجوز أن تعدى بالهمزة إلى ثلاثة, وإنما اضطر في رأى الحلمية لذلك على زعمه لتعديها إلى ضمير متصل, وقد رفعت الضمير المتصل, فاضطر إلى القول بذلك, وأما في قوله تعالى {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا} فهذا المعنى مفقود, فانتصاب {قَلِيلًا} على الحال, والذي يدل على أنه حال جواز الحذف فيه والاقتصار على المنصوبين قبله, فتقول: أراني الله في منامي زيدًا, وكذلك قبل همزة النقل تقول: رأيت في منامي زيدًا, فلو كان مفعولًا ثالثًا لما جاز حذفه اقتصارًا؛ لأنه لا يجوز حذف الخبر اقتصارًا.
وقوله وما صيغ للمفعول إلى آخره يعني أنه إذ ذاك يصير كظننت, فما جاز في ظننت جاز في أعلمت, قال المصنف:"إلا في الاقتصار على المرفوع, فإنه غير جائز في ظن وأخواتها لعدم الفائدة, جائز في أعلم وأخواتها لحصول الفائدة" انتهى.