وإني- وإن صدت- لمثن، وقائل، ... عليها بما كانت إلينا أزلت
فما أنا بالداعي لعزة بالردى ... ولا شامتٍ إن نعل عزة زلت
على أنه شبيه الإعمال؛ لأنه لما عطف فصل بين مثنٍ ومعموله، وفصل أيضاً بين قائل ومعموله بمعمول مثنٍ، ففعل الفارسي في البيت ما فعل هنا، وليس قوله ((ولم أطلب)) اجنبياً من الكلام، ولهذا فصل به، وإنما هو تسديد؛ لأن المعنى: ولم أطلب الملك. ولم يجيء به س على الإعمال، بل جاء به على أنه من غير الإعمال؛ ألا ترى إلى قوله:((فإنما رفع لأنه لم يجعل القليل مطلوباً، وإنما المطلوب عنده الملك))، فالطلب لا يتوجه على القليل مطلوباً؛ ألا تراه يقول:((ولو لم يرد ذلك ونصب لفسد)).
ونظير هذا البيت قول الشاعر:
عدينا بالتواصل منك إنا ... نحب- ولو مطلت- الواعدينا
لأن مطلت لا يطلب الواعدينا، إنما يطلبه محب، وإنما أراد: نحب الواعدينا ولو مطلتنا، فلم يتوجه الثاني لما توجه الأول.
ومثله ما قال أبو علي في ((التذكرة)) في قوله تعالى: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}: إن الباء متعلقة بامْنُنْ؛ لأن المعنى: أعط من سعة، كقوله:{إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، أي: يعطي من سعة، ولا يقلق به الإمساك.