للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزعم أبو علي الفارسي وغيره أن الأغلب علي مذ أن تكون اسماً، قالوا: وذلك أنّ الحذف يكثر في الأسماء والأفعال، ويقل في الحروف، فلا يكاد يوجد الحذف فيها إلا في المضعف، نحو رُبّ وإنّ، فلما كانت مُذ محذوفة من مُنذ وليست من قبيل المضعف غَلَّبَتت العرب فيها جانب الاسمية. وإنما جعلت محذوفة منها لاتفاقهما في الحروف والمعني. ويبين صحة ذلك أنّ من العرب مَن يقول: ما رأيته مُذ يومان، مراعاة للأصل، ومَن سكن ردَّها إلي أصلها لما زال موجب تحريكها، وهو التقاء الساكنين، بحذف النون. ويبين أيضاً صحة ذلك أنّ الرفع بد مُذ أكثر من الخفض بها، ومن الرفع بعد مُنذ. انتهي.

والعجب لهم أنهم يجعلون مُذْ فرعاً من مُنذُ وأنّ الغالب علي مُذ الاسمية، والغالب علي منذُ الحرفية. ويستدلون علي ذلك بأنّ الحذف في الأسماء أكثر منه في الحروف لأنه تصرف، والتصرف بابه أن يكون في الأسماء، وكون مُذ محذوفة مِن مُنذ يقتضي أن تكون مُنذُ اسماً؛ لأنها هي، ومحال أن يكون الشيء حرفاً، فإذا حذف منه شيء صار اسماً؛ لأنّ الحذف من الشيء لا يغيِّر الماهيّة؛ ألا تراهم حين حذفوا من حِرٍ الحاء وهو اسم بقي اسماً، وحين حذفوا من رُبَ الباء وهو حرف بقي حرفاً، وحين حذفوا من يَعِدُ الواو وهو فعل بقي فعلاً، فالذي ينبغي أن يقال: إنّ مُذْ إذا استعملت اسماً مرفوعاً ما بعدها فهي محذوفة من منذُ الاسمية أيضاً، لكن جاء الرفع بعدها أكثر مما جاء بعد مُنذ، وقد يغلب علي الفروع حكم يَقِلُّ في الأصول.

<<  <  ج: ص:  >  >>