وهذا الخلاف الذي ذكرناه هو في الاسم المتصل.
واحتج الكسائي لمذهبه بقولك: قام القوم إلا زيدًا فإنه لم يقم, فلو كان قولك إلا زيدًا يقتضي نفي القيام عن زيد لكان قولك فإنه لم يقم فضلًا لا يحتاج إليه, ويدل على جواز هذا التركيب قوله تعالى {فَسَجَدُوا إلاَّ إبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ}، وبقوله {إلاَّ إبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ}.
وأجيب عن قوله {لمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ}، وعن قولهم "إلا زيدًا فإنه لم يقم" - بأن ذلك جاء على طريقة التأكيد لا على جهة الإخبار بأحد المحتملين, وهو نظير قولهم: أكلت السمكة حتى رأسها أكلته, بخفض رأسها؛ ألا ترى أن أكلته تأكيد لما دل عليه الكلام الأول من أن الرأس مأكول؛ حتى إذا كان ما بعدها جزءًا مما قبلها كان داخلًا في حكم الأول إلا إن دل دليل على خلاف ذلك.
واعترض هذا بأن المعاني التي تدل عليها الحروف لا تؤكد, فلا يقال: ما قام زيد نفيًا, ولا: أتقوم استفهامًا, تأكيدًا لمعنى ما, و "استفهامًا" تأكيدًا لمعنى الهمزو, ولا: ما قام زيد أنفي ذلك, ولا: أيقوم زيد أستفهم عن ذلك؛ لأن الحروف وضعت على الاختصار؛ ألا ترى أن الهمزة أخصر من أستفهم, و "ما" أخصر من أنفي, والتأكيد مبني على الإطالة, فلم يجمع بينهما للتناقض وهذا الاعتراض قوي.
وأجيب عن قوله {أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} بأن في هذه الجملة زيادة معنى لا تدل عليه/ [٤: ٢٨/ أ] إلا, فليست لتأكيد نفي السجود عنه فقط, وهو دلالتها على أن عدم سجوده إنما كان ناشئًا عن إبائه وتكبره, وهذا المعنى لا تدل عليه إلا, إنما تدل على انتفاء السجود, فلما كان في الجملة مزيد بيان جاز ذلك.