وقوله ومن فِعلِ أَفْعَلَ مُفْهِمَ عُسر أو جَهل قال المصنف في الشرح:
«الإشارة بذلك إلى حَمِقَ، ورَعِنَ، وهَوِجَ، ونَوِكَ، ولَدَّ: إذا كان عسر الخصومة.
وبناء الوصف من هذه الأفعال على أَفْعَلَ في التذكير وفَعْلاَء في التأنيث، لكنها ناسبت في المعنى جَهِل وعَسِر، فجرت في التعجب والتفضيل مجراهما، فقيل: ما أَحْمَقَه، وأَرْعَنَه، وأَهْوَجَه، وأنْوَكَه، وأَلَدَّه، وهو أَحْمَقُ منه، وأَرْعَنُ، وأَهْوَجُ، وأَنْوكُ، وأَلَدُّ» انتهى. وتقدم لنا في الشواذ: ما أَهْوَجَه! وما أَشْنَعَه! وما أَحْمَقَه! وما أنْوَكَه! وعلى ذلك حمله /أكثر أصحابنا.
وقال بعضهم في ما أَحْمَقَه وإخوته: يظهر من كلام س أنهم إنما قالوا فيه ما أَفْعَلَه لأنه من باب العلم وضدّه لا من باب الخلقة في الجسد؛ فدلَّ على أنَّ هذه تخالف حكم الخلق، بل هي أوصاف غير ظاهرة، فخرجت عن الألوان والخلق.
وهذا فرق على تعليل الخليل، وأمَّا على تعليل س فإنهم ــ وإن قالوا فيها ما أَفْعَلَه ــ
فلأنه ليس أَفْعَل أصلاً فيها، بخلاف اللون والخلقة، بل أصلها أنْ تكون على فَعيل وفَعِلٍ وفاعِل كما في عَليم وفَهِمٍ وجاهِل، فروعي فيها ذلك المعنى، فُتُعجِّبَ من لفظها.
وقال خطّاب الماردي: قولهم ما أَحْمَقَه! وما أَرْعَنَه! وما أَنْوكَه! وما أَلَدَّه! من الخَصِم الأَلَدّ، إنما جاز فيه هذا ــ والاسم منه أَفْعَلُ، وهو في معنى العاهات والأدواء ــ لأنهم أخرجوه عن معنى العلم ونقصان الفطرة، وليس بلون ولا خلقة في الجسد، وإنما هو كقولك: ما أَنْظَرَه! تريد نظر الفكر، وما أَلْسَنَه! تريد البيان والفصاحة.