من الحكم بالغيب، والجزم بإيمان أصل الولد؛ لأنها أشارت إلى طفل معيّن، فالحكم على شخص معيّن بأنه من أهل الجنة لا يجوز من غير ورود النصّ؛ لأنه من علم الغيب. وقد يقال: التبعيّة في الدنيا من الإيمان والكفر، وحكمها من أمور الآخرة.
ففيه إرشاد للأمة إلى التوقّف في الأمور المبهمة، والسكوت عما لا علم لهم به، وحسن الأدب بين يدي علام الغيوب.
وقال ابن حجر الهيتميّ الفقيه: ولعل هذا كان قبل ما نزل عليه في ولدان المؤمنين والكفّار؛ إذ هم في الجنة إجماعًا في الأول، وعلى الأصحّ في الثاني. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله ابن حجر الهيتميّ هو الحقّ، كما سيأتي تحقيقه في المسألة التالية، إن شاء الله تعالى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في الأطفال:
قال في "الفتح": اختلف العلماء قديمًا وحديثًا في هذه المسألة على أقوال:
[أحدهما]: أنهم في مشيئة الله تعالى، وهو منقول عن الحمادين، وابن المبارك، وإسحاق، ونقله البيهقي في "الاعتقاد" عن الشافعي في حق أولاد الكفار خاصة، قال ابن عبد البر: وهو مقتضى صنيع مالك، وليس عنده في هذه المسألة شيء منصوص، إلا أن أصحابه صَرّحوا بأن أطفال المسلمين في الجنة، وأطفال الكفار خاصة في المشيئة، والحجة فيه حديث:"الله أعلم بما كانوا عاملين".
[ثانيها]: أنهم تبع لآبائهم، فأولاد المسلمين في الجنة، وأولاد الكفار في النار، وحكاه ابن حزم عن الأزارقة من الخوارج، واحتجوا بقوله تعالى:{رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}[نوح: ٢٦]، وتعقّبه بأن المراد قوم نوح خاصة، وإنما دعا بذلك لما أوحى الله إليه:{أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ}[هود: ٣٦]،