للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يقل الله: كذا وكذا، وقال بعضهم: ألم يقل الله: كذا وكذا، فسمع ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فخرج كأنما فُقِئ في وجهه حَبّ الرمان، فقال: "بهذا أمرتم، أو بهذا بعثتم، أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، إنما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا، إنكم لستم مما هاهنا في شيء، انظروا الذي أُمرتم به فاعملوا به، والذي نهيتم عنه فانتهوا".

وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند الترمذيّ: "إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم أن لا تتنازعوا فيه".

قال الطيبيّ رحمه الله: قوله: "عزمت عليكم": أي أقسمت عليكم، وأصله عزمت بإقاء اليمين، وإلزامها عليكم، لا تبحثوا في القدر بعد هذا. انتهى (١).

(قَالَ) شعيب (فَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ عَمْرٍو) رضي الله عنهما (مَا) نافية (غبَطْتُ نَفْسِي) بفتح الموحّدة، من غبَط يغبِط بالكَسر والفتح، من بابي ضرب، وسمع، يقال: غبطتُ الرجل أغبطه: إذا اشتهيت أن يكون لك مثلُ ما له، وأن يدوم عليه ما هو فيه، وحسدته أحسده حسدًا: إذا اشتهيت أن يكون لك ما له، وأن يزول عنه ما هو فيه. قاله ابن الأثير (٢). وقال الفيّومي: "الغِبْطة": حسن الحال، وهي اسم من غبطته غبطًا: إذا تمنيت مثل ما ناله من غير زواله عنه لمِا أَعْجَبك منه، وعَظُم عندك. انتهى.

والمعنى هنا: ما استحسنت كون نفسي (بِمَجْلِسٍ) بفتح الميم، وكسر اللام أي بمكان جلوس (تخَلَّفْتُ فِيه) أي في ذلِك المجلس (عَنْ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-) متعلق بـ "تخلفت" (مَا) مصدريّة (غَبَطْتُ نَفْسِي) أي مثل اغتباط نفسي (بِذَلِكَ اَلمجْلِسِ) الذي غضب فيه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (وَتخَلُّفِي عَنْهُ) أي عن ذلك المجلس.

والمعنى: أنه لم يتمنّ كون نفسه في مجلس تأخر فيه عن مجالسة النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه مثل تمنيه تأخره عن ذلك المجلس الذي غضب -صلى الله عليه وسلم- عليهم لأجل خوضهم في القدر. والله


(١) "الكاشف" ٢/ ٥٦٣.
(٢) "النهاية" ٣/ ٣٣٩ - ٣٤٠. بزيادة الضبط من "القاموس".

<<  <  ج: ص:  >  >>