للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

على الفاعلية، ولا وجه له غير هذا. فليُتنبّه.

(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ردّا على الأعرابي حيث أبدى هذه الشبهة (ذَلِكُمُ الْقَدَرُ) وفي الرواية الآتية في "الطبّ": "ذلك القدر" بإفراد اسم الإشارة: أي الذي أجرب تلك الإبل هو تقدير الله سبحانه وتعالى عليها أن تَجْرَب، لا الإعداء، ثم قال مؤكدًا هذا الردّ، ومبينًا له أتم بيان (فَمَنْ أَجْرَبَ الْأَوَّلَ) أي إذا كان جَربها حصل بالإعداء، فمن الذي أعدى البعير الأول.

والمعنى: من الذي أوصل الجرب إليه، حتى يكون بناء الإعداء عليه، أي فظهر بطلان هذا الزعم، واتّضح أن الكل بتقدير الله سبحانه وتعالى أولا وآخرًا.

وقال النوويّ: معناه أن البعير الأول الذي جرِبَ من أجربه، أي وأنتم تعلمون، وتعترفون أن الله تعالى هو الذي أوجد ذلك من غير ملاصقة لبعير أجرب، فاعلموا أن البعير الثاني والثالث وما بعدهما إنما جَرِب بفعل الله تعالى وإرادته، لا بعدوى تُعْدِي بطبعها، ولو كان الجرب بالعدوى بالطبائع لم يَجْرَب الأول؛ لعدم المعدِي، ففي الحديث الحديث بيان الدليل القاطع لإبطال قولهم في العدوى بطبعها. انتهى (١).

وقال في "الفتح": هو جواب في غاية البلاغة والرَّشَاقة، وحاصله من أين جاء الجرب الأول للذي أعدى بزعمهم؟ فإن أجيب من بعير آخر لزم التسلسل، أو سبب آخر، فليُفصَحْ به، فإن أُجيب بأن الذي فعله في الأول هو الذي فعله في الثاني ثبت المدّعَى، وهو أن الذي فعل الجميع هو الخالق القادر على كلّ شيء، وهو الله سبحانه وتعالى. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ: معنى ذلك أن البعير الأجرب الذي أجرب هذه الصحاح -على زعمهم- من أين جاءه الجرب؟ أمن بعير آخر؟ فيلزم التسلسل، أو من سبب غير البعير؟ فهو الذي فعل الجرب في الأول والثاني، وهو الله تعالى الخالق لكل شيء، والقادر على كلّ شيء.


(١) "شرح مسلم" ١٤/ ٢١٧.
(٢) "الفتح" ١٠/ ٢٩٧ "كتاب الطبّ" رقم الحديث (٥٧٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>