٢ - (منها): أن فيه جوازَ العزل، وهو -كما قال النوويّ- مكروه عند الشافعيّة في كل حال، وكل امرأة، سواء رضيت أم لا؛ لأنه طريق إلى قطع النسل، ولهذا جاء في الحديث الآخر تسميته الوأدَ الخفيَّ؛ لأنه قطع طريق الولادة، كما يقتل الولود بالوأد، وأما التحريم فقالوا: لا يحرم في مملوكته، ولا في زوجته الأمة، سواء رضيتا أم لا؛ لأن عليه ضررًا في مملوكته بمصيرها أم ولد، وامتناع بيعها، وعليه ضرر في زوجته الرقيقة بمصير ولده رقيقًا تبعًا لأمه، وأما زوجته الحرة، فإن أذنت فيه لم يحرم، وإلا فوجهان أصحهما لا يحرم.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد وردت أحاديث تدلّ على جواز العزل، وأحاديث تدلّ على النهي عنه، ويُجمَع بينها بأن ما ورد في النهى محمول على كراهة التَّنْزِيه، وما ورد في الإذن في ذلك محمول على أنه ليس بحرام، وليس معناه نفي الكراهة. هكذا ذكر النوويّ رحمه الله، وهو جمع حسن، وسيأتي ذكر أقوال أهل العلم مفصّلةً بأدلتها، ومناقشتها، وترجيح ما هو الراجح بدليله في محلّه من كتاب النكاح، إن شاء الله تعالى.
٣ - (ومنها): أن فيه دلالةً على أن العزل لا يمنع الإيلاد، فلو استَفْرَشَ أمةً، وعزل عنها، ثم أتت بولد لحِقَه، إلا أن يدّعي عدم الاستبراء.
٤ - (ومنها): أنه ليست نسمة كائنة في علم الله سبحانه وتعالى إلى يوم القيامة في حال من الأحوال إلا كائنة ثابتة في وقت من الأوقات، لا يمنعها عزل، ولا حيلة من الحيل، ولو حاول من في الأرض كلهم جميعًا.
٥ - (ومنها): أنه استفيد من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من كل الماء يكون الولد" أن بعض الماء لا يتكون منه الولد، وبعضه يتكون منه بميشئة الله سبحانه وتعالى، لا بطريقة الوسائل، فإنها لا تنفع إلا إذا أراد الله تعالى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.