للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم عثمان، ثم علي، هذا قول جمهور أهل السنة، وإليه ذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وسفيان الثوري، وكافة أهل الحديث والفقه، والأشعري، والباقلاني، وكثير من المتكلمين؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: "كنا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نَعْدِل بأبي بكر أحدًا، ثم عمر، ثم عثمان". رواه البخاريّ، ورواه الطبراني في "الكبير" بلفظ أصرح، قال: "كنا نقول، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيٌّ: أفضل هذه الأمة بعد نبيّها أبو بكر، وعمر، وعثمان، ويسمع ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا يُنكره".

وحكى الخطابي عن أهل السنة من الكوفة تقديم علي على عثمان، وبه قال أبو بكر ابن خزيمة، وهو رواية عن سفيان الثوري، ولكن آخر قوليه ما سبق. وحُكِي عن مالك التوقف بينهما، حكاه المازري عن "المدونة". وقال القاضي عياض: رجع مالك عن التوقف إلى تفضيل عثمان.

قال القرطبي: وهو الأصح -إن شاء الله تعالى-. وتوقف أيضا إمام الحرمين. ثم التفضيل عنده وعند الباقلاني وصاحب المفهم ظني. وقال الأشعري: قطعي.

وقال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله بعد أن ذكر معنى الفضائل، وأن الفضائل المعتبرة هي التي عند الله تعالى: ما نصّه: وإذا تقرّر هذا فإذا قلنا: إن أحدًا من الصحابة -رضي الله عنهم- فاضل، فمعناه أن له منزلة عند الله تعالى، وهذا لا يُتوصل إليه بالعقل قطعًا، فلا بدّ أن يرجع ذلك إلى النقل، والنقل إنما يُتلقَّى من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فإذا أخبرنا الرسول بشيء من ذلك تلقّيناه بالقبول، فإن كان قطعيّا حصل لنا العلم بذلك، وإن لم يكن قطعيّا كان ذلك كسبيل المجتهدات، وإذا لم يكن لنا طريق إلى معرفة ذلك إلا بالخبر، فلا يَقطَع أحد بأن من صدرت منه أفعال دِينيّة، وخصال محمودة بأن ذلك قد بلّغه عند الله مَنْزِلة الفضل والشرف، فإن ذلك أمرٌ غيبٌ، والأعمال بالخواتيم، والخاتمة مجهولةٌ، والوقوف على المجهول مجهول، لكنّا إذا رأينا من أعانه الله على الخير، ويسّر له أسباب الخير رجونا له حصول تلك المنزلة عند الله تمسّكًا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله" قالوا: كيف يستعمله؟ قال: "يوفقه لعمل صالح قبل موته"، زاد في

<<  <  ج: ص:  >  >>