للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلا يقال: ضربتني، ولا ظلمتني، لئلا يكون الفاعل مفعولا، بل يقال: ضربت نفسي، وظلمت نفسي؛ ليتغاير اللفظان، وإنما جاز ذلك في أفعال القلوب؛ لأن مفعولها في الحقيقة مضمون الجملة، لا المنصوب بها، فلا ضرر في اتّحاده مع الفاعل (١). فتنبّه لهذه القاعدة. والله تعالى أعلم.

(فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ) "إذا" هي الفجائيّة، وهي تختصّ بالجملة الاسميّة، كهذا الحديث، ولا تحتاج إلى جواب، ولا تقع في الابتداء، ومعناها الحال، لا الاستقبال، والتقدير هنا: ففجاءني وجود امرأة. وقوله: (تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ) جملة في محلّ جرّ صفة لـ"امرأة".

قال في "الفتح": قوله: "تتوضّأ" يحتمل أن يكون على ظاهره، ولا يُنكَر كونها تتوضأ حقيقةً؛ لأن الرؤيا وقعت في زمن التكليف، والجنة وإن كان لا تكليف فيها فذاك في زمن الاستقرار، بل ظاهر قوله: "تتوضأ إلى جانب قصر" أنها تتوضأ خارجةً منه. أو هو على غير الحقيقة، ورؤيا المنام لا تُحمَل دائمًا على الحقيقة، بل تحتمل التأويل، فيكون معنى كونها تتوضأ أنها تحافظ في الدنيا على العبادة، أو المراد بقوله: "تتوضأ": أي تستعمل الماء لأجل الوَضَاءة على مدلوله اللغوي، وفيه بُعْدٌ، وأغرب ابن قتيبة، وتبعه الخطابيّ، فزعم أن قوله: "تتوضأ" تصحيف وتغيير من الناسخ، وإنما الصواب امرأة شَوْهَاء، ولم يَستَنِد في هذه الدعوى إلا على استبعاد أن يَقَع في الجنة وضوء؛ لأنه لا عمل فيها، وعدم الاطلاع على المراد من الخبر، لا يقتضي تغليط الحفاظ.

ثم أخذ الخطابي في نقل كلام أهل اللغة في تفسير الشَّوْهاء، فقيل: هي الحسناء، ونقله عن أبي عبيدة، وإنما تكون حسناء إذا وُصفت بها الفرس، قال الجوهريّ: فَرَسٌ شوهاء صفة محمودة، والشوهاء الواسعة الفم، وهو مستحسن في الخيل، والشوهاء


(١) راجع "حاشية الخضري على شرح ابن عقيل على الخلاصة" ١/ ٢٢١ - ٢٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>