٢ - (ومنها): جواز التفدية بالأبوين، وقد عقد الإمام البخاريّ في "كتاب الأدب" من "صحيحه" لذلك بابًا، فقال:"باب قول الرَّجل: جعلني الله فداك، وقال أبو بكر للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-: فديناك بآبائنا وأمهاتنا"، ثمّ أخرج بسنده قصة، وفيها قول أبي طلحة للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "يا نبيّ الله جعلني الله فداك هل أصابك من شيء؟ ... " الحديث. قال في "الفتح": وقد استوعب الأخبار الدّالّة على جواز التفدية أبو بكر بن أبي عاصم في أول كتابه "آداب الحكماء"، وجزم بجواز ذلك، فقال: للمرء أن يقول ذلك لسلطانه، ولكبيره، ولذوي العلم، ولمن أحبّ من إخوانه غير محظور عليه ذلك، بل يُثاب عليه إذا قصد توقيره واستعطافه، ولو كان ذلك محظورًا لنهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قائل ذلك، ولأعلمه أن ذلك غير جائز أن يُقال لأحد غيره. انتهى.
وقال الطَّبرانيُّ (١) بعد أن ساق أحاديث الجواز: في هذه الأحاديث دليلٌ على جواز قول ذلك، وأما ما رواه مبارك بن فَضَالة، عن الحسن قال: دخل الزُّبير على النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وهو شاكٍ، فقال: كيف تجدك جعلني الله فداك؟ قال:"ما تركت أعرابيّتك بعدُ؟ "، ثمّ ساقه من هذا الوجه، ومن وجه آخر، ثمّ قال: لا حجة في ذلك على المنع؛ لأنه لا يقاوم تلك الأحاديث في الصحّة، وعلى تقدير ثبوت ذلك فليس فيه صريح المنع، بل فيه إشارة إلى أنه ترك الأولى في القول للمريض إمّا بالتأنيس والملاطفة، وإما بالدعاء والتوجّع.
فإن قيل: إنّما ساغ ذلك لأن الّذي دعا بذلك كان أبواه مشركين، فالجواب أن قول أبي طلحة كان بعد أن أسلم، وكذا أبو ذرّ، وقول أبي بكر كان بعد أن أسلم أبواه. انتهى ملخّصًا.
وقال الحافظ: ويمكن أن يُعترض بأنه لا يلزم من تسويغ قول ذلك للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن يُسوّغ لغيره؛ لأن نفسه أعزّ من أنفس القائلين وآبائهم، ولو كانوا أسلموا، فالجواب ما
(١) هكذا نسخة "الفتح"، ولعلّه "الطّبريّ"، فليُحرّر.