والمراد بالاهتزاز الاستبشار والقبول، ومنه قول العرب: فلان يهتز للمكارم، لا يُريدون اضطراب جسمه وحركته، وإنما يريدون ارتياحه إليها، وإقباله عليها.
وقال الحربيّ: هو كناية عن تعظيم شأن وفاته، والعرب تَنسُب الشيءَ المُعَظَّم إلى أعظم الأشياء، فيقولون: أظلمت لموت فلان الأرض، وقامت له القيامة.
وقال جماعة: المراد اهتزاز سرير الجنازة، وهو النعش، وهذا القول باطلُ يَرُدُّه صريح هذه الروايات الّتي ذكرها مسلم:"اهتزّ لموته عرش الرّحمن"، وإنّما قال هؤلاء هذا التّأويل؛ لكونهم لم تبلغهم هذه الروايات الّتي في مسلم. والله أعلم. (١).
[تنبيه]: أخرج الإمام البخاريّ رحمه الله تعالى في "صحيحه" بعد إخراج حديث جابر -رضي الله عنه- هذا من طريق فُضيل بن مُسَاور خَتَن أبي عوانة، عن أبي عوانة، عن الأعمش، فقال:"وعن الأعمش حَدَّثَنَا أبو صالح، عن جابر، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مثله، فقال رجل لجابر: فإنّ البراء يقول: اهتزّ السرير، فقال: إنّه بين هذين الحيين ضَغَائنُ، سمعت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اهتر عرش الرّحمن لموت سعد بن معاذ".
قال في "الفتح": قوله: فقال رجل لجابر، لم أقف على اسمه، وقوله: فإن البراء يقول: اهتز السرير، أي الّذي حُمِل عليه، وقوله: إنّه كان بين هذين الحيين، أي الأوس والخزرج، قوله: ضغائن -بالضاد، والغين المعجمتين، جمع ضغينة- وهي الحقد، قال الخطابي: إنّما قال جابر ذلك؛ لأن سعدًا كان من الأوس، والبراء خزرجي، والخزرج لا تُقِرّ للأوس بفضل.
قال الحافظ: كذا قال، وهو خطأ فاحش، فإن البراء أيضًا أوسيٌّ؛ لأنه ابن عازب ابن الحارث بن عَدِيّ بن مَجْدَعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، يجتمع مع سعد بن معاذ في الحارث بن الخزرج، والخزرج والد الحارث بن الخزرج، وليس هو الخزرج الّذي يقابل الأوس، وإنّما سُمِّي على اسمه.