للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(المسألة السّادسة): في بيان حكم سابّ الرسول -صلى الله عليه وسلم-:

(اعلم): بأن السبّ والشتم إهانة واستخفاف للمسبوب، فكلّ سابّ مستخفّ بمن سبّه، ومستهزئ به، فإذا حصل في القلب امتنع أن يكون معه انقياد واستسلام؛ لأنه لا يسبّ، إِلَّا وهو جاحد له.

قال القاضي عياض: من سبّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أو تنقصه، فقد ظهرت عليه علامة مرض قلبه، وبرهان سرّ طويّته، وكفره، انتهى.

وقال أيضًا: إن مسألة سابّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أقوى لا يُتصوّر فيها الخلاف؛ لأنه حقّ متعلّقٌ بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وبأمته بسببه، لا تسقطه التوبة، كسائل حقوق الآدميين انتهى (١).

وقال الحافظ: من سبّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ممّا هو قذف صريح كفر باتّفاق العلماء، فلو تاب لم يسقط عنه القتل؛ لأن حدّ قذفه القتلُ، وحدّ القذف لا يسقط بالتوبة انتهى (٢).

وقال الإمام ابن القيّم رحمه الله خلال كلامه: فذلك أن الحقّ له -صلى الله عليه وسلم-، فله أن يستوفيه، وله أن يتركه، وليس لأمته ترك استيفاء حقّه -صلى الله عليه وسلم- انتهى (٣).

وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله في "كتابه العديم النظير في بابه "الصارم المسلول على شاتم الرسول -صلى الله عليه وسلم-": إن سبّ الله تعالى، أو سبّ رسوله -صلى الله عليه وسلم- كفرٌ ظاهرًا وباطنًا، وسواءٌ كان السابّ يعتقد أن ذلك محرّم، أو كان مستحلًا له، أو كان ذاهلًا عن اعتقاده.

هذا مذهب الفقهاء، وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعملٌ.

وقد قال الإمام أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ المعروف بابن راهويه، وهو أحد الأئمة يَعْدِل بالشّافعيّ وأحمد: قد أجمع المسلمون على أن من سبّ الله تعالى،


(١) "الشفا" ٢/ ٢٢٣ و٢٥٥.
(٢) "الفتح" ١٢/ ٢٩٤.
(٣) "زاد المعاد" ٥/ ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>