للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أو سب رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو دفع شيئًا ممّا أنزل الله، أو قتل نبيّا من أنبياء الله أنه كافر بذلك، وإن كان مُقِرّا بكل ما أنزل الله.

وكذلك قال محمّد بن سحنون، وهو أحد الأئمة من أصحاب مالك، وزمنه قريب من هذه الطبقة: أجمع العلماء أن شاتم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- المنتقص له كافرٌ، والوعيد جارٍ عليه بعذاب الله، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شكّ في كفره وعذابه كَفَرَ ..

وقد نَصّ على مثل هذا غير واحد من الأئمة، قال أحمد في رواية عبد الله في رجل قال لرجل: يا ابن كذا وكذا أعني أنت ومن خلقك: هذا مرتدّ عن الإسلام، يُضرَب عنقه، وقال في رواية عبد الله، وأبي طالب: من شتم النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قُتِل، وذلك أنه إذا شتم، فقد ارتد عن الإسلام، ولا يشتم مسلم النبيّ -عَزَّ وَجَلَّ-، فبين أن هذا مرتدّ، وأن المسلم لا يُتَصَوَّر أن يشتم وهو مسلم.

وكذلك نُقِل عن الشّافعيّ أنه سئل عمن هَزَل بشيء من آيات الله تعالى أنه قال: هو كافرٌ، واستدل بقول الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} الآية [التوبة: ٦٥، ٦٦].

وكذلك قال أصحابنا -يعني الحنبليّة- وغيرهم: مَنْ سَبّ الله كَفَرَ، سواء كان مازحًا أو جادّا؛ لهذه الآية، وهذا هو الصواب المقطوع به.

وقال القاضي أبو يعلى في "المعتمد": مَنْ سَبَّ الله تعالى، أو سب رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإنّه يكفر، سواء استحلّ سبه، أو لم يستحله، فإن قال: لم أستحلّ ذلك، لم يقبل منه في ظاهر الحكم، روايةً واحدةً، وكان مرتدّا؛ لأن الظّاهر خلاف ما أخبر؛ لأنه لا غَرَضَ له في سبّ الله تعالى، وسبّ رسوله -صلى الله عليه وسلم- إِلَّا لأنه غير معتقد لعبادته، غير مصدّق بما جاء به النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ويفارق الشارب، والقاتل، والسارق، إذا قال: أنا غير مستحلّ لذلك أنه يصدق في الحكم؛ لأن له غرضًا في فعل هذه الأشياء مع اعتقاد تحريمها، وهو ما يتعجل من اللَّذَّة، قال: وإذا حكمنا بكفره، فإنّما نحكم به في ظاهر الحكم، فأمّا في الباطن، فإن كان صادقًا فيما قال، فهو مسلم، كما قلنا في الزنديق: لا تقبل توبته في ظاهر

<<  <  ج: ص:  >  >>