للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحكم، وذكر القاضي عن الفقهاء أن سابّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إن كان مستحلا كفر، وإن لم يكن مستحلًا فسق، ولم يكفر كسابّ الصّحابة -رضي الله عنهم-، وهذا نظير ما يُحكى أن بعض الفقهاء من أهل العراق أفتى هارون أمير المؤمنين، فيمن سب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن يجلده حتّى أنكر ذلك مالك، ورَدّ هذه الفتيا، وهو نظير ما حكاه أبو محمّد ابن حزم أن بعض النَّاس لم يُكَفِّر المستخفّ به.

وقد ذكر القاضي عياض بعد أن رد هذه الحكاية عن بعض فقهاء العراق، والخلاف الّذي ذكره ابن حزم بما نقله من الإجماع عن غير واحد، وحمل الحكاية على أن أولئك لم يكونوا ممّن شُهِر بالعلّم، أو لم يكونوا ممّن يوثق بفتواه لميل الهوى به، أو أن الفتيا كانت في كلمة اختُلِف في كونها سبًّا، أو كانت فيمن تاب.

وذكر أن السابّ إذا أقرّ بالسبّ، ولم يتب منه قُتل كفرًا؛ لأن قوله إمّا صريح كفر كالتكذيب ونحوه، أو هو من كلمات الاستهزاء، أو الذمّ، فاعترافه بها، وترك توبته منها، دليل على استحلاله لذلك، وهو كفر أيضًا، قال: فهذا كافر بلا خلاف (١).

وقال (٢) في موضع آخر: إن مَنْ قَتَله بلا استتابة فهو لم يره ردّةً، وإنّما يوجب القتل فيه حدّا، وإنّما يقول ذلك مع إنكاره ما شُهِد عليه به، أو إظهاره الإقلاع عنه والتوبة، ونَقْتُلُه حدّا، كالزنديق إذا تاب، قال: ونحن إن أثبتنا له حكم الكافر في القتل، فلا نقطع عليه بذلك؛ لإقراره بالتوحيد والنبوة، وإنكاره ما شُهِد به عليه، أو زعمه أن ذلك كان منه ذُهُولًا ومعصية، وأنه مقلع عن ذلك، نادمًا عليه.

قال: وأما مَنْ عُلم أنه سبه معتقدًا لاستحلاله، فلا شك في كفره بذلك، وكذلك إن كان سبه في نفسه كفرًا، كتكذيبه، أو تكفيره ونحوه، فهذا ما لا إشكال فيه، وكذلك من لم يُظهِر التوبة، واعتَرَف بما شُهِد به، وصَمَّم عليه فهو كافر بقوله، واستحلاله هتكَ


(١) راجع "الشفا" ٢/ ٢٢٣ - ٢٢٤.
(٢) أي القاضي أبو يعلى في كتابه "المعتمد" أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>