للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حرمة الله تعالى، أو حرمة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وهذا أيضًا تشبثٌ منه بأن السب يكفر به؛ لأجل استحلاله له إذا لم يكن في نفسه تكذيبًا صريحًا.

وهذا موضع لا بُدّ من تحريره، ويجب أن يُعلَم أن القول بأن كفر السابّ في نفس الأمر إنّما هو لاستحلاله السبّ زلةٌ منكرةٌ، وهفوةٌ عظيمةٌ.

ويرحم الله القاضي أبا يعلي قد ذَكَر في غير موضع من كتبه ما يُناقض ما قاله هنا، وإنّما أوقع من وقع في هذه الْمَهْوَاة ما تلقَّوه من كلام طائفة من متأخري المتكلمين، وهم الجهمية الإناث الذين ذهبوا مذهب الجهمية الأولى في أن الإيمان هو مجرد التصديق الّذي في القَلب، وإن لم يقترن به قول اللسان، ولم يقتض عملًا في القلب، ولا في الجوارح، وصَرَّح القاضي أبو يعلى بذلك هنا، قال عقيب أن ذكر ما حكيناه عنه: وعلى هذا لو قال الكافر: أنا مُعْتَقِدٌ بقلبي معرفة الله وتوحيده، لكني لا آتي بالشهادتين، كما لا آتي غيرها من العبادات كسلًا لم يحكم بإسلامه في الظّاهر، ويحكم به باطنًا، قال: وقول الإمام أحمد: مَنْ قال: إن المعرفة تنفع في القلب من غير أن يَتَلَفَّظ بها، فهو جهميٌّ محمول على أحد وجهين: أحدهما أنه جهمي في ظاهر الحكم، والثّاني على أنه يمتنع من الشهادتين عنادًا؛ لأنه احتجّ أحمد في ذلك بأن إبليس عَرَفَ ربة بقلبه، ولم يكن مؤمنًا، ومعلوم أن إبليس اعتَقَد أنه لا يلزم امتثال أمره تعالى بالسجود لآدم.

وقد ذَكَر القاضي في غير موضع أنه لا يكون مؤمنًا حتّى يُصَدِّق بلسانه مع القدرة وبقلبه، وأن الإيمان قول وعمل، كما هو مذهب الأئمة كلِّهم: مالكٍ وسفيان، والأوزاعيّ، والليث، والشّافعيّ، وأحمد، وإسحاق، ومن قبلهم وبعدهم من أعيان الأمة.

وليس الغرض هنا استيفاء الكلام في هذا الأصل، وإنّما الغرض التنيبه على ما يَختص بهذه المسألة، وذلك من وجوه:

[أحدها]: أن الحكاية المذكورة عن الفقهاء أنه إن كان مستحلًا كَفَر، وإلا فلا، ليس لها أصلٌ، وإنّما نقلها القاضي من كتاب بعض المتكلمين الذين حَكَوها عن

<<  <  ج: ص:  >  >>