الفقهاء، وهؤلاء نَقَلوا قول الفقهاء بما ظَنّوه جاريّا في أصولهم، أو بما قد سَمِعوه من بعض المنتسبين إلى الفقه، ممّن لا يُعَدّ قوله قولًا، وقد حكينا نصوص أئمة الفقهاء، وحكاية إجماعهم ممّن هو أعلم النَّاس بمذاهبهم، فلا يَظُنّ ظانّ أن في المسألة خلافًا، يَجعل المسألة من مسائل الخلاف والاجتهاد، وإنّما ذلك غَلَطٌ لا يستطيع أحد أن يَحكي عن واحد من الفقهاء، أئمة الفتوى هذا التفصيل البتة.
[الوجه الثّاني]: أن الكفر إذا كان هو الاستحلال، فإنّما معناه اعتقاد أن السب حلالٌ، فإنّه لمّا اعتَقَد أن ما حرَّمه الله تعالى حلالٌ كَفَر، ولا ريب أن من اعتقد في المحرمات المعلوم تحريمها أما حلال كَفَر، لكن لا فرق في ذلك بين سبّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وبين قذف المؤمنين، والكذب عليهم، والغيبة لهم، إلى غير ذلك من الأقوال الّتي عُلِم أن الله حرّمها، فإنّه مَنْ فَعَل شيئًا من ذلك مستحلًا كَفَر، مع أنه لا يجوز أن يقال: مَنْ قَذَف مسلمًا، أو اغتابه كَفَر، ويُعنْىَ بذلك إذا استحله.
[الوجه الثّالث]: أن اعتقاد حِلِّ السبّ كفرٌ، سواء اقترن به وجود السبّ، أو لم يقترن، فإذن لا أثر للسبّ في التكفير وجودًا وعدمًا، وإنّما المؤثر هو الاعتقاد، وهو خلاف ما أَجمَع عليه العلماء.
[الوجه الرّابع]: أنه إذا كان المكفِّر هو اعتقادَ الحل، فليس في السبّ ما يدلُّ على أن السابّ مستحلّ، فيجب أن لا يُكَفر، لا سيما إذا قال: أنا أعتقد أن هذا حرامٌ، وإنما قلته غيظًا، وسَفَهًا، أو عَبَثًا، أو لَعِبًا، كما قال المنافقون:{إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}[التوبة: ٦٥]، كما إذا قال: إنّما قذفت هذا، أو كذَبْتُ عليه لَعِبًا وعبثًا، فإن قيل: لا يكونون كفارًا، فهو خلاف نصّ القرآن، وإن قيل: يكونون كفارًا، فهو تكفير بغير مُوجِبٍ، إذا لم يُجْعَل نفسُ السبّ مُكَفِّرًا، وقول القائل: أنا لا أصدِّقه في هذا، لا يستقيم، فإن التكفير لا يكون بأمر محُتمِلٍ، فإذا كان قد قال: أنا أعتقد أن ذلك ذنب ومعصية، وأنا أفعله، فكيف يُكَفَّر إن لم يكن ذلك كفرًا، ولهذا قال سبحانه وتعالى:{لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}[التوبة: ٦٦]، ولم يقل: قد كذبتم في قولكم: {إِنَّمَا كُنَّا