للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لأنه أعلم بهم، فيُنْعِم على المؤمنين برؤيته دون المنافقين، كما يمنعهم من السجود، والعلّم عند الله تعالى.

قال البيهقيّ: وجهُ الدّليل من الآية أن لفظ {نَاضِرَةٌ} الأوّل بالضاد المعجمة الساقطة من النضرة بمعنى السرور، ولفظ {نَاظِرَةٌ} بالظاء المعجمة المشالة، يحتمل في كلام العرب أربعة أشياء: نظر التفكر والاعتبار، كقوله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: ١٧]، ونظر الانتظار، كقوله تعالى: {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس: ٤٩]، ونظر التعطف والرّحمة، كقوله تعالى: {وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} [آل عمران: ٧٧]، ونظر الرؤية، كقوله تعالى: {يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [محمد: ٢٠]، والثلاثة الأُوَلُ غير مرادة، أما الأوّل فلأنّ الآخرة ليست بدار استدلال، وأما الثّاني فلأن في الانتظار تنغيصًا وتكديرًا، والآية خرجت مخرج الامتنان والبشارة، وأهلُ الجنَّة لا ينتظرون شيئًا؛ لأنه مهما خَطَرَ لهم أُتُوابه، وأما الثّالث فلا يجوز؛ لأن المخلوق لا يتعطف على خالقه، فلم يبق إِلَّا نظر الرؤية، وانضمّ إلى ذلك أن النظر إذا ذُكر مع الوجه انصرف إلى نظر العينين اللتين في الوجه، ولأنه هو الّذي يتعدى بـ "إلى"، كقوله تعالى: {يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ}، وإذا ثبت أن {نَاظِرَةٌ} هنا بمعنى رائية اندفع قولُ من زَعَمَ أن المعنى ناظرة إلى ثوابها؛ لأن الأصل عدم التقدير، وأُيِّدَ منطوقُ الآية في حق المؤمنين بمفهوم الآية الأخرى في حق الكافرين {إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}، وقَيْدُها بالقيامة في الآيتين إشارةٌ إلى أن الرؤية تحصل في الآخرة دون الدنيا. انتهى كلام البيهقيّ مُلَخَّصًا مُوَضَّحًا.

وقد أخرج أبو العباس السَّرَّاج في "تاريخه" عن الحسن بن عبد العزيز الجْرَوِيّ (١)، وهو من شيوخ البخاريّ، سمعت عمرو بن أبي سلمة، يقول سمعت مالك بن أنس، وقيل له: يا أبا عبد الله قولُ الله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} يقول قوم: إلى ثوابه، فقال:


(١) بفتح الجيم والراء. قاله في "التقريب" ص ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>