للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَذَبُوا، فأين هم عن قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}.

ومن حيث النظر أن كلّ موجود يصح أن يُرَى، وهذا على سبيل التَّنَزُّل، وإلا فصفات الخالق لا تُقاس على صفات المخلوقين، وأدلّةُ السمع طافحة بوقوع ذلك في الآخرة لأهل الإيمان دون غيرهم، ومُنِعَ ذلك في الدنيا إِلَّا أنه اختُلِف في نبيّنا - صلّى الله عليه وسلم -، وما ذكروه من الفرق بين الدنيا والآخرة أن أبصار أهل الدنيا فانية، وأبصارهم في الآخرة باقية جَيِّدٌ، ولكن لم يَمْنَع تخصيصَ ذلك بمن ثبت وقوعه له.

ومَنَع جمهور المعتزلة من الرؤية، متمسكين بأن من شرط المرئي أن يكون في جهة، والله مُنَزَّه عن الجهة، واتفقوا على أنه يَرَى عباده، فهو رَاءٍ لا من جهة.

واختَلَفَ من أثبت الرؤية في معناها، فقال قوم: يَحصُل للرائي العلم بالله تعالى برؤية العين كما في غيره من المرئيات، وهو على وفق قوله في حديث الباب: "كما تَرَون القمر" إِلَّا أنه مُنزَّه عن الجهة والكيفية، وذلك أمر زائد على العلم.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هكذا ذكر صاحب "الفتح" قوله: "مُنَزَّه عن الجهة والكيفية"، أما كونه منزّهًا عن الكيفيّة، فحق، وأما كونه منزّهًا عن الجهة ففيه نظر لا يخفى، فقد أثبتت الأدلّة الصحيحة على أنه -عَزَّ وَجَلَّ- في جهة العلّو، فتدبّرها، ولا تكن أسير التقليد، فإنّه حجة البليد، وملجأ العنيد، والله الهادي إلى سواء السبيل.

وقال بعضهم: إن المراد بالرؤية العلم، وعَبَّر عنها بعضهم بأنها حُصول حالة في الإنسان نسبتها إلى ذاته المخصوصة نسبة الإبصار إلى المرئيات، وقال بعضهم: رؤية المؤمن لله نوع كشف وعِلْم إِلَّا أنه أتم وأوضح من العلم، وهذا أقرب إلى الصواب من الأول (١).

وتُعُقِّب الأولُ بأنه حينئذ لا اختصاص لبعض دون بعض؛ لأن العلم لا يتفاوت، وتعقّبه ابن التين بأن الرؤية بمعنى العلم تتعدى لمفعولين، تقول: رأيت زيدًا


(١) قلت: بل هو مثله في البطلان؛ إذ كلّ منهما مصادم للنصوص الصحيحة الصريحة، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>