فقيهًا أي علمته، فإن قلت: رأيت زيدًا منطلقًا (١) لم يُفْهَم منه إِلَّا رؤية البصر، ويزيده تحقيقًا قوله في الخبر:"إنكم سترون ربكم عِيَانًا"؛ لأن اقتران الرؤية بالعيان لا يحتمل أن يكون بمعنى العلم.
وقال ابن بطّال رحمه الله: ذهب أهل السنة، وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله في الآخرة، ومَنَعَ الخوارج والمعتزلة، وبعض المرجئة، وتمسكوا بأن الرؤية توجب كون المرئي مُحْدَثًا وحالًّا في مكان، وأولوا قوله:{نَاظِرَةٌ} بمنتظرة، وهو خطأ؛ لأنه لا يتعدى بـ "إلى"، ثمّ ذكر نحو ما تقدّم، ثمّ قال: وما تمسكوا به فاسد؛ لقيام الأدلة على أن الله تعالى موجود، والرؤية في تعلّقها بالمرئي بِمَنْزِلة العلم في تعلّقه بالمعلوم، فإذا كان تعلّق العلم بالمعلوم لا يوجب حدوثه، فكذلك المرئي، قال: وتعلّقوا بقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}[الأنعام: ١٠٣]، وبقوله تعالى لموسى:{لَن تَرَانِى}[الأعراف: ١٤٣]، والجواب عن الأوّل أنه لا تدركه الأبصار في الدنيا جمعًا بين دليلي الآيتين، وبأن نفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية؛ لإمكان رؤية الشيء من غير إحاطة بحقيقته، وعن الثّاني المراد لن تراني في الدنيا جمعًا أيضًا، ولأن نفي الشيء لا يقتضي إحالته، مع ما جاء من الأحاديث الثابتة على وفق الآية، وقد تلَقّاها المسلمون بالقبول من لدن الصّحابة والتابعين حتّى حَدَثَ من أنكر الرؤية، وخالف السلف. انتهى كلام ابن بطّال رحمه الله، وهو تحقيق نفيسٌ، والله تعالى أعلم.
وقال القرطبي: اشترط النُّفاة في الرؤية شروطًا عقلية، كالبنية المخصوصة، والمقابلة، واتِّصال الأشعة، وزوال الموانع، كالْبُعْد والحَجْب، في خَبْط لهم، وتحَكُّم، وأهلُ السنة لا يَشترطون شيئا من ذلك، سوى وجود المرئيّ، وأن الرؤية إدراك يخلقه الله للرائي فيرى المرئيّ، وتقترن بها أحوال يجوز تبدلها، والعلم عند الله تعالى. انتهى
(١) قوله: "منطلقًا" هكذا نسخة "الفتح"، والظاهر أن صوابه "مُطلقًا"، من الإطلاق، لا من الإنطلاق، أي قلت: "رأيت زيدًا" من غير زيادة "فقيهًا"، أو نحوه. والله تعالى أعلم.