للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فالجهمية، ومن وافقهم من المعتزلة، وغيرهم يقولون: لا يقوم بذاته شيء من هذه الصفات ولا غيرها.

والكلابية، ومن وافقهم من السالمية، وغيرهم يقولون: تقوم صفات بغير مشيئته وقدرته، فأما ما يكون بمشيئته وقدرته، فلا يكون إلا مخلوقًا منفصلًا عنه.

وأما السلف وأئمة السنة والحديث، فيقولون: إنه متصف بذلك، كما نطق به الكتاب والسنة، وهو قول كثير من أهل الكلام والفلسفة، أو أكثرهم، كما ذكرنا أقوالهم بألفاظها في غير هذا الموضع.

ومثل هذا الكلام فإن السلف وأئمة السنة والحديث، يقولون: يتكلم بمشيئته وقدرته، وكلامه ليس بمخلوق، بل كلامه صفة له قائمة بذاته.

وممن ذَكَر أن ذلك قول أئمة السنة أبو عبد الله ابن منده، وأبو عبد الله بن حامد، وأبو بكر عبد العزيز، وأبو إسماعيل الأنصاريّ وغيرهم، وكذلك ذكر أبو عمر بن عبد البر نظير هذا في الاستواء.

وأئمة السنة، كعبد الله بن المبارك، وأحمد بن حنبل، والبخاريّ، وعثمان بن سعيد الدارميّ، ومن لا يحصى من الأئمة -وذكره حرب بن إسماعيل الكرمانيّ عن سعيد بن منصور، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، وسائر أهل السنة والحديث- متفقون على أنه متكلم بمشيئته، وأنه لم يزل متكلمًا إذا شاء، وكيف شاء.

وقد سمى الله القرآن العزيز حديثًا، فقال: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} [الزمر: ٢٣]، وقال: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء: ٨٧]، وقال: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: ٢]، وقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يُحدِث من أمره ما يشاء"، وهذا مما احتج به البخاريّ في "صحيحه"، وفى غير "صحيحه"، واحتج به غير البخاري، كنعيم بن حماد، وحماد بن زيد.

ومن المشهور عن السلف أن القرآن العزيز كلامُ الله، غيرُ مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>