للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما الجهمية، والمعتزلة فيقولون: ليس له كلامٌ قائمٌ بذاته، بل كلامه مخلوقٌ منفصل عنه، والمعتزلة يطلقون القول بأنه يتكلم بمشيئته، ولكن مرادهم بذلك أنه يخلق كلامًا منفصلًا عنه.

والكلابية والسالمية يقولون: إنه لا يتكلم بمشيئته وقدرته، بل كلامه قائم بذاته، بدون قدرته ومشيئته، مثل حياته، وهم يقولون: الكلام صفة ذات، لا صفة فعل، يتعلق بمشيئته وقدرته، وأولئك يقولون: هو صفة فعل، لكن الفعل عندهم هو المفعول المخلوق بمشيئته وقدرته.

وأما السلف، وأئمة السنة، وكثير من أهل الكلام، كالهشامية، والكرّامية، وأصحاب أبي معاذ التَّوْمنيّ، وزهير الياميّ، وطوائف غير هؤلاء يقولون: إنه صفة ذات وفعل، هو يتكلّم بمشيئته وقدرته، كلامًا قائمًا بذاته، وهذا هو المعقول من صفة الكلام، لكل متكلم، فكلُّ مَن وُصف بالكلام، كالملائكة، والبشر، والجن، وغيرهم، فكلامهم لا بد أن يقوم بأنفسهم، وهم يتكلمون بمشيئتهم وقدرتهم.

والكلام صفة كمال، لا صفة نقص، ومن تكلم بمشيئته أكمل ممن لا يتكلم بمشيئته، فكيف يتصف الخلوق بصفات الكمال، دون الخالق.

ولكن الجهمية والمعتزلة، بَنَوا على أصلهم أن الرب لا يقوم به صفة؛ لأن ذلك بزعمهم يستلزم التجسيم والتشبيه الممتنع؛ إذ الصفة عَرَضٌ، والعرض لا يقوم إلا بجسم.

والكلابية يقولون: هو متصف بالصفات التي ليس له عليها قدرة، ولا تكون بمشيئته، فأما ما يكون بمشيئته، فإنه حادث، والرب تعالى لا تقوم به الحوادث، ويترجمون الصفات الاختيارية بمسألة حلول الحوادث، فإنه إذا كَلّم موسى بن عمران بمشيئته وقدرته، وناداه حين أتاه بقدرته ومشيئته، كان ذلك النداء والكلام حادثًا.

قالوا: فلو اتصف الرب به لقامت به الحوادث، قالوا: ولو قامت به الحوادث لم يخل منها، كما لم يَخْلُ من الحوادث فهو حادث، قالوا: ولأن كونه قابلًا لتلك الصفة، إن

<<  <  ج: ص:  >  >>