وبك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك"، فاستعاذ بمعافاته كما استعاذ برضاه.
وقد استدل أئمة السنة، كأحمد وغيره على أن كلام الله غير مخلوق بأنه استعاذ به، فقال: "من نَزَل منزلًا، فقال: أعوذ بكلمات الله التامة، من شرّ ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل منه"، فكذلك معافاته ووضاه، غير مخلوقة؛ لأنه استعاذ بهما، والعافية القائمة ببدن العبد مخلوقة، فإنها نتيجة معافاته، وإذا كان الخلق فعله، والمخلوق مفعوله، وقد خلق الخلق بمشيئته، دل على أن الخلق فعل يحصل بمشيئته، ويمتنع قيامه بغيره، فدل على أن أفعاله قائمة بذاته، مع كونها حاصلة بمشيئته وقدرته، وقد حَكَى البخاريّ إجماع العلماء على الفرق بين الخلق والمخلوق، وعلى هذا يدل صريح المعقول، فإنه قد ثبت بالأدلة العقلية، والسمعية أن كل ما سوى الله تعالى مخلوق محدث، كائن بعد أن لم يكن، وأن الله انفرد بالقدم والأزلية، وقد قال تعالى:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ}[الأعراف: ٥٤]، فهو حين خلق السموات ابتداءا، إما أن يحصل منه فعل يكون هو خلقًا للسموات والأرض، وإما أن لا يحصل منه فعل، بل وُجدت المخلوقات بلا فعل، ومعلوم أنه إذا كان الخالق قبل خلقها، ومع خلقها سواءً وبعده سواءً، لم يجز تخصيص خلقها بوقت دون وقت، بلا سبب يوجب التخصيص.
وأيضًا فحدوث المخلوق بلا سبب حادث ممتنع في بداهة العقل، وإذا قيل: الإرادة والقدرة خَصَّصَت، قيل: نسبة الإرادة القديمة إلى جميع الأوقات سواء، وأيضًا فلا تُعقل إرادة تخصيص أحد المتماثلين إلا بسبب يوجب التخصيص، وأيضًا فلابد عند وجود المراد من سبب يقتضي حدوثه، وإلا فلو كان مجردُ ما تقدم من الإرادة والقدرة كافيًا للزم وجوده قبل ذلك؛ لأنه مع الإرادة التامة، والقدرة التامة يجب وجود المقدور.
وقد احتج من قال: الخلق هو المخلوق، كأبي الحسن ومن اتبعه، مثل ابن عقيل، بأن قالوا: لو كان غيره لكان إما قديمًا، وإما حادثًا، فإن كان قديمًا لزم قدم المخلوق؛ لأنهما متضايفان، وإن كان حادثًا لزم أن تقوم به الحوادث، ثم ذلك الخلق يفتقر إلى