تعالى من يَعبُد من لا يسمع ولا يبصر، في غير موضع، ولأنه حي، والحيّ إذا لم يتصف بالسمع والبصر، اتصف بضد ذلك، وهو العمى والصمم، وذلك ممتنع، وبسط هذا له موضع آخر.
وإنما المقصود هنا أنه إذا كان يسمع ويبصر الأقوال والأعمال بعد أن وُجِدت، فإما أن يقال: إنه تجدد، وكان لا يسمعها ولا يبصرها، فهو بعد أن خلقها لا يسمعها ولا يبصرها، وإن تجدد شيء، فإما أن يكون وجودًا أو عدمًا، فإن كان عدمًا فلم يتجدد شيء، وإن كان وجودًا، فإما أن يكون قائمًا بذات الله، أو قائمًا بذات غيره، والثاني يستلزم أن يكون ذلك الغير هو الذي يسمع ويرى، فيتعين أن ذلك السمع والرؤية الموجودين قائم بذات الله، وهذا لا حيلة فيه.
والكلابية يقولون: في جميع هذا الباب المتجدد هو تعلق بين الأمر والمأمور، وبين الإرادة والمراد، وبين السمع والبصر، والمسموع والمرئيّ، فيقال لهم: هذا التعلق إما أن يكون وجودًا، وإما أن يكون عدمًا، فلإن كان عدمًا، فلم يتجدد شيء، فإن العلم لا شيء، وإن كان وجودًا بطل قولهم.
وأيضًا فحدوث "تعلق" هو نسبة، وإضافة من غير حدوث ما يوجب ذلك ممتنع، فلا يحدث نسبة وإضافة إلا بحدوث أمر وجوديّ يقتضي ذلك، وطائفة منهم ابنُ عقيل، يسمون هذه النسبة أحوالًا، والطوائف متفقون على حدوث نسب، وإضافات، وتعلقات، لكن حدوث النسب بدون ما يوجبها ممتنع، فلا يكون نسبة، وإضافة إلا تابعة لصفة ثبوتية، كالأبوة، والبنوة، والفوقية، والتحتية، والتيامن، والتياسر، فإنها لابد أن تستلزم أمورًا ثبوتية، وكذلك كونه خالقًا، ورازقًا، ومحسنًا، وعادلًا، فإن هذه أفعال فعلها بمشيئته وقدرته، إذ كان يخلق بمشيئته، ويرزق بمشيئته، ويَعدِل بمشيئته، ويحسن بمشيئته، والذي عليه جماهير المسلمين من السلف والخلف، أن الخلق غير المخلوق، فالخلق فعل الخالق، والمخلوق مفعوله، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بأفعال الرب وصفاته، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك،