على أن المحبة بسبب هذه الأعمال، وهي جزاء لها، والجزاء إنما يكون بعد العمل، والمسبب.
(فصل) وكذلك السمع، والبصر، والنظر، قال الله تعالى:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ}[التوبة: ١٠٥]، هذا في حق المنافقين، وقال في حق التائبين:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}، وقوله:{فَسَيَرَى اللَّهُ} دليل على أنه يراها بعد نزول هذه الآية الكريمة، والمنازع إما أن ينفي الرؤية، وإما أن يثبت رؤية قديمة أزلية، وكذلك قوله:{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ في الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}[يونس: ١٤]، ولام "كي" تقتضي أن ما بعدها متأخر عن المعلول، فنظره كيف يعملون هو بعد جعلهم خلائف، وكذلك:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ في زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}[المجادلة: ١] أخبر أنه يسمع تحاورهما حين كانت تجادل وتشتكي إلى الله، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، يسمع الله لكم، فجعل سمعه لنا جزاءً وجوابًا للحمد، فيكون ذلك بعد الحمد، والسمع يتضمن مع سمع القول قبوله وإجابته، ومنه قول الخليل - عليه السلام -: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}[إبراهيم: ٣٩]، وكذلك قوله:{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ}[آل عمران: ١٨١]، وقوله لموسى - عليه السلام -: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}[طه: ٤٦]، والمعقول الصريح يدل على ذلك، فإن المعدوم لا يُرَى ولا يُسمَع بصريح العقل، واتفاق العقلاء، لكن قال من قال من السالمية: إنه يسمع ويرى موجودًا في علمه، لا موجودًا بائنًا عنه، ولم يقل: إنه يسمع ويرى بائنًا عن الرب، فإذا خلق العباد وعملوا وقالوا، فإما أن نقول: إنه يسمع أقوالهم، ويرى أعمالهم، وإما لا يرى ولا يسمع، فإن نُفِي ذلك فهو تعطيل لهاتين الصفتين، وتكذيب للقرآن، وهما صفتا كمال، لا نَقْصَ فيه، فمن يسمع ويبصر أكمل ممن لا يسمع ولا يبصر، والمخلوق يَتَّصِفُ بأنه يسمع ويبصر، فيمتنع اتصاف المخلوق بصفات الكمال، دون الخالق - عليه السلام -، وقد عاب الله